أي عبث هذا، وأي جنون؟ بل أي حمق ذلك الذي يدفع الإنسان إلى أن يلفظ نفساً بشرية على قارعة الغي والضلال؟ ما الذي يدفع إنساناً ليتخلى عن إنسانيته، فيصير طائعاً، أو كارهاً، كائناً بلا قيمة، ومخلوقاً بلا بشرية؟
من أباح لحفنة من الراكبين أمواج السفة باسم الدين أن يعبثوا بمصائر الآخرين، وأن تخرج علينا بهذا القدر من الغدر والخيانة والرخص الباعث على الاشمئزاز والتقزز؟
كثيرة هي الأسئلة التي تزدحم وتلتطم، ولا تجد لها جواباً! وأي جواب يشفي غليل من رأى عملية انتحار الإرهاب نفسه في ساحة التسامح، وفي بيت الإخلاص للدين والوطن؟
الذي استمع إلى المكالمة الهاتفية بين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف وبين ذلك الإرهابي، سوف يخرج بنتيجة جلية، وهي أن في هذا الوطن قيادة تعمل ما في وسعها لجمع شمل الخارجين عن الوطن من أبنائه، ممن غُرر بهم، وبيعوا بأثمان بخسة على أرصفة الضياع.. قيادة تصر على رد الضالين عن ضلالهم، ولجم شياطين الفتنة، وقطع دابر المارقين، واسئصال شأفتهم، وبالتالي هي أحسن، وإلا فبالتي هي أقوى.
والذي استمع إلى الحوار الفطري بين خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وبين الأمير محمد، سيخلص إلى أن فينا أباً حانياً، وقائداً حكيماً، وراعياً حريصاً، وملكاً كبيراً. وإذا كان من مستلزمات أبواب الملوك العقل والمال، فإن قيادتنا قد جمعت ذلك كله، وزادت عليه مثله حكمة وصبراً، وكللته بعزيمة لا تلين، وباقتدار لا ينقص منه وصول إرهابي استرخص دمه وذمته وعهده إلى ما وصل إليه.
إن فيما حدث معجزة ينبغي ألا نغادرها، قبل أن نعي دروسها جيداً، وأول تلك الدروس، أن في طيات الإرهاب الذي يساور هذه الأمة خبثاً لا حدود لها، وأن في أخلاق أهله مكراً لا مثيل له، ولا مأمن منه إلا بضربه بقوة، واجتثاثه بلا هوادة.
وثاني تلك الدروس، أننا لا نزال نعيش هاجس الإرهاب، برغم ما وصلت إليه أيدينا من أسسه، وما تم بتره من منابعه وفروعه، وأن علينا ألا نستكين، أو نلين، قبل أن نمر منه مرور السهم من الرمية.
وثالث تلك الدروس، أنه لا ينبغي لنا الوقوف عند حدود تعامل استخباري ثابت من قضية الإرهاب، حيث إن ما جرى يدق باب قدراتنا بقوة، ويستنهض فينا تحديث وسائلنا، لتتناسب مع ما يخططه الشياطين، بل ويستبق تخطيطهم، ويحول بيننا وبين شرورهم. كان ينبغي دراسة صوت الإرهابي دراسة نفسية، وتحليل صوته تحليلاً مخبرياً، ودراسة الحالة من مختلف جوانبها، قبل الحكم بشأنها، والتعامل معها، بل كان ينبغي الاحتياط الكبير، وافتراض الكثير، وتوقع غير المتوقع، حتى ولو كان ذلك في أيام هذا الشهر المبارك، الذي لم يرع القتلة فيه حرمة، ولم تستكن فيه شياطينهم.
ورابع تلك الدروس؛ أن علينا ألا نثق بالظاهر، وألا نسلَم بالمسلَمات، لأن المرحلة ومخاطرها ضربت بالمسلَمات عرض الحائط، وأبطنت الظاهر في دهاليز الطغيان.
علينا من الآن أن نعمل بما أوتينا من علم وسلطة وقدرة، لنقطع دابر الشر من جذوره، وألا نهادن، أو نساوم، لأن من استرخص نفسه يسهل عليه بيعها، وأن الذين يتربصون بنا شرّاً، لن يرقبوا فينا إلاً، ولا ذمة، وليس لهم منا إلا قض مضاجعهم حيثما كانوا، وضربهم من حيث أمّنوا.
المعجزة التي تناثر فيها الشر إرباً، ونجا بها سمو الأمير محمد، تجعلنا نؤمن أكثر من أي وقت مضى، أن الشر لا بد مدحور، وأن أهله لا بد آفلون، وأن مسيرة الخير في هذا الوطن، وبهذه القيادة الحكيمة المؤمنة، لا بد مستمرة ومتصاعدة، برغم أنف الكارهين، وبرغم افتراء المفترين.. حفظ الله وطننا، وقيادتنا من كل مكروه، وخسئ أهل الخسة والضلالة، والحمد لله رب العالمين.
مدير مكتب التربية العربي لدول الخليج