حمدنا لله يترى على هذه البشرى بسلامة القوي الأمين من محاولة الاعتداء القذرة في سحَر ليلة الجمعة السابع من شهر رمضان المبارك، وذلك بمكرمة إلهية ومعجزة ربانية لولي من أوليائه قدَّم الكثير لأجله، فثبَّتت الأقدام وربطت القلوب وكشفت الحق وأزهقت الباطل،
فوجب علينا الخلوص بدروس لهذه الواقعة والاعتبار من هذه الحادثة لمزيد من التوفيق والسداد في طريق الهدى والرشاد.
حيث إنه بعد سنوات من الضلال والبغي والاستغلال الغبي لصالح الأعداء الجبناء بتحقيق أهدافهم عبر بعض أبنائنا الخائنين، ها هو الغدر قد قصم ظهورهم وأبان ضلالاتهم وكشف بغيهم وأظهر البؤس والبشاعة والخيانة بخديعة جاحدة ونكران للجميل بخسة ومكر لم يجرؤ عليه ضال من قبل، فزيَّن لهم شياطينهم سوء أعمالهم فضلوا وأضلوا.
وحسبنا قول القادر جل وعز: {وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ} وقول الحافظ تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ}.. ولكن {أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ}.
وفي مقابل جميع تلك الأفكار الغالية والأعمال الباغية والأخلاق البائسة نجد بطلاً مستهدفاً لكشفه لحقيقتهم وتعريته لباطلهم وتصفيته لضلالهم واحتوائه للتائب منهم بالحلم والحكمة موفياً ومكرماً لمن يستحقه مع شجاعة وتواضع تعلوها الرحمة والعطف لمن بغاه وأناب إلى رشده عن هواه دون المكابرين فليس لهم حسراتنا وإنما عليهم دعاؤنا وبناننا وسناننا.
ومع جميع كيدهم لم تتحقق لهم أهدافهم؛ فهاهم التائبون ما زالوا يَترِون وإلى حكمة سموه يلجون، وبالمناصحة يستفيدون، وعن الغلو يفرون، بلا قطع لطريق الراغبين في التوبة ولا استجابة للمشككين في مناط المناصحة وقصد الرعاية سواء بحسن نية أو باصطياد عاكر، فهذه السياسة الراشدة والقوة الناعمة في الاحتواء المزدوج بيد حانية للتائبين ويد قاضية على المعاندين، ولن يوقفها غدر خسيس ولا جحود بئيس، كما لن يجففها عاكر أو جاهل، فنحن بإرادتنا نقرر إمضاء ما ينفعنا والكف عما يضرنا بلا غواية ولا استخفاف.
كما أنه لم يسبق أن بلغ حجم الاصطفاف الوطني والشجب والاستنكار الاجتماعي كما هو عليه اليوم، فهذه العملية الدنيئة حاقت بفضل الله وتحقيقاً لوعده على أهلها وأحرقت ما بقي من أوراقهم الضالة، كما كشفت عن مستوى المواطنة من الجميع وحبهم الكبير لأبي نايف، الذي تعب من أجل راحتهم وسهر من أجل طمأنينتهم وخاطَر من أجل أمنهم، فدك حصون الباغين وهلهل قلاعهم وجثَّ جذورهم وأبطل ذرائعهم بكل حنكة وحكمة، فهل هناك أظهر من هذا الاستفتاء وأقوى من هذا الإجماع لسموه من شهداء الله في أرضه.
وإننا على يقين أن سياسة الباب المفتوح ستستمر مع حوائطها، وكذا باب المناصحة والرعاية الذي بنجاحه الكبير جعل الغادرين يسعون لإقفاله عبر هذه المحاولة المعثورة، وستدوم صنائع المعروف التي وَقَت مصارع السوء وجلبت للوطن الخير وكَفَّت عن المواطنين الشر، فهلك الغادر وتشظى وسلم الله محمداً ووقاه من السوء ليروي لنا قصة الغدر والخيانة وقصة المعروف والأمانة، ولسان حاله يقول لهم {قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ}.. ومحققاً لقول الحق جل وعلا: {إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}، والحمد لله أولاً وآخراً وصلاةً وسلاماً على الهادي البشير والسراج المنير وآله وصحبه ومن والاه.
(*) القاضي بالمحكمة الجزائية بالرياض