من سمع المكالمة التي أجراها سمو سيدي مع المنتحر قبل تنفيذ إجرامه الذي قطعه إلى عدة أجزاء متناثرة بمنظر مخيف ومرعب تشمئز منه النفوس وتقشعر لهوله الأبدان فإن السؤال الذي يطرح نفسه ويتردد كثيراً ما هي الفائدة المرجوة من هذا الانتحار للشخص نفسه وما هي الفائدة التي تعود عليه هو شخصياً في الدنيا والآخرة،
ففي الدنيا قتل نفسه بصورة وحشية ومؤلمة مع أن باب التوبة مفتوح له من الله سبحانه وتعالى في حقوقه، فالله سبحانه وتعالى يبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل ويبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، أما حقوق الآدميين فإما بالتنازل أو الاقتصاص، وباب التوبة مفتوح حتى عند ولاة الأمر. والذي سمع المكالمة التي أجراها سموه مع المنتحر قبل تنفيذ إجرامه يظهر لنا فرح سمو الأمير بعودته إلى رشده ووطنه وأنه من فرحته أسرع بمقابلته والترحيب به، لكنه كان مبيتاً النية الخبيثة والمكر السيء الذي حاق ولحق به. فنحن في شهر مبارك وفي ليلة مباركة، فهو تعمد قتل نفسه أولاً وهو محرم عليه، وفي الصحيحين البخاري (1364)، ومسلم (110) من حديث ثابت بن الضحاك - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من حلف بملة غير الإسلام كاذباً متعمداً فهو كما قال, ومن قتل نفسه بحديدة عذب به في نار جهنم)، وفي رواية لمسلم: (ومن قتل نفسه بشيء عذب به يوم القيامة).
وفي صحيح مسلم (109) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن شرب سماً فقتل نفسه فهو يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن تردى من جبل فقتل نفسه فهو يتردى في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً).
ويؤخذ من هذه الأحاديث تحريم قتل النفس، وأنه من كبائر الذنوب، وعلى هذا فلا يجوز قتل النفس بأي حال من الأحوال، ولا أعتقد أن ذلك المنتحر يجهل هذه الأحاديث أو تغيب عنه لأنه نشأ في بلد إسلامي، فسماته الخارجية حسنة وسماته الداخلية أشد خبثاً ومكراً، وقد حكم على نفسه في دخول نار جهنم بفعلته القبيحة، ولا أعتقد أن التغرير يصل إلى هذا الحد من السذاجة التي تؤدي بصاحبها بالفضيحة في الدنيا ودعاء الناس عليه بالويل والثبور إلى قيام النشور. وما هي الفائدة المرجوة من هذا الانتحار باستهداف قتل مسلم معصوم قائم على حفظ أمن هذه البلاد يسهر الليل وغيره ينام محفوظة له حقوقه، فهو كالمجاهد في سبيل الله تعالى، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله)، وأحسبه قال (وكالقائم الذي لا يفتر وكالصائم الذي لا يفطر) متفق عليه.
فالمسلم حقيقة لا يجهل هذه الأحاديث حتى وإن ذكر له غيرها لأن التكذيب بها كفر بالله تعالى، فالمسلم يعمل بها ولا يلتفت إلى أهواء الكفرة والمجرمين الذين يريدون تنفيذ مخططاتهم حتى ولو كان على حساب أتباعهم السذج الذين لا يعون ما يفعلون، ولا يشفع لهم يوم القيامة عند الله تعالى أن فلان أمرهم أو هو الذي دلهم على فعل هذه الأشياء الخبيثة قال تعالى: { بَلِ الْإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ، وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ}.
(*)حائل ثانوية الصديق