Al Jazirah NewsPaper Friday  11/09/2009 G Issue 13497
الجمعة 21 رمضان 1430   العدد  13497
وزير الشؤون الدينية الجزائري لـ«الجزيرة»:
الإرهاب الفكري في العقيدة والفتوى هو الذي يغذي الاعتداء باليد

 

الجزائر - خاص ب«الجزيرة»

وازن وزير الشؤون الدينية والأوقاف الجزائري الدكتور بو عبد الله غلام الله بين الأمن الفكري والإرهاب الفكري.. وقال: إن تجفيف مصادر الإرهاب الفكري يعني تجفيف منابع الإرهاب العملي؛ لأن الإرهاب الفكري في العقيدة والفتوى والسلوك هو الذي يغذي الاعتداء باليد، ويسول للواقعين تحت وطأته المروق والخروج عن منهج الوسطية والاعتدال، ومحاولتهم حمل المجتمعات على محاكاتهم في هذا المروق بالقوة والبطش، مشدداً على أن حماية أمن الأمة، في اجتماعها واقتصادها واستقلالها، يمر عبر حماية الأمة من العدوان الفكري الممارس عليها، من داخل حصونها أو من خارج أسوارها، إن بقيت في زمن العولمة الجارفة حصون للأمة أو أسوار. وأعرب عن اعتقاده أن صاحب الفكر المنحرف قد يستعمل المؤسسة الدينية ذاتها في ترويج أفكاره وتجنيد أتباعه، وهذا ما يستدعي خبرات وزارات الأوقاف والشؤون الإسلامية في بلدان العالم الإسلامي لرد هذا العدوان، كما يمكن أن يستعمل المسجد لممارسة إرهابه بكل صوره وأشكاله للمجتمعات والأمم، حيث تبين من مسار التاريخ ما للمسجد في قلوب الناس من قدسية، وما له في أفكارهم من تأثير.

وقال الوزير الجزائري - في حديث ل(الجزيرة) -: فلا عجب أن يهدف الإرهاب الفكري الذي يستمد من الفكر اللاديني إلى تحييد المسجد وتهميشه والحيلولة دون تمكينه من التأثير والتوجيه، بدعاوى متباينة منها أن الخطاب المسجدي مجانب للواقع الاجتماعي الجديد، أو أنه يغذي التخلف والتحجر، ويمنع من التقدم ومواكبة الغرب، أو أنه ينتج التطرف الديني، ولا عجب كذلك أن يستهدف ذات المسجد إرهابا فكريا يستمد من الجهل بالدين، ولي أعناق النصوص، وتصنيع الفتاوى الجاهزة، ويحاول أن يجعل المسجد بديلاً عن كل مؤسسات المجتمع الأخرى.

ورأى أن مجتمعا يقع تحت طائلة إرهاب فكري ينبع من المسجد ويدور في فلكه هو مجتمع محكوم عليه بالاضطراب والخوف، وهو مجتمع سيتبع أحد قطبي الفكر المتطرف، وسينقلب بالتبعية على مكتسبات الأمة التي ينتمي إليها، وسيشك في الموروث الحضاري الذي شيده سلفه، وقد يعتبر مفهوم حب الوطن بعد ذلك ضربا من ضروب الجاهلية، وأن يعتبر الجهاد ضد أعداء الأمة من أجل تحريرها ضربا من ضروب القتال الخالي من الرسالية، فلا يكون المقاتل فيه مجاهدا، ولا القتيل شهيدا.

وزاد قائلاً: ولا غرابة أن يكون علماء الأمة وهداتها إلى الخير بعد ذلك في عيون هؤلاء التائهين مجرد علماء سلطان، بل قد يصل الأمر باتباع هذا الفكر إلى هجر مؤسسات المجتمع بدعوى أن العمل ضمنها تمكين للجاهلية في الاستمرار، ولا يمكن أن تكون النتيجة بعد ذلك إلا تكفير هذه المؤسسات فتكفير من انضوى فيها وبقي في خدمتها، فإذا اشتد التوتر بين المجتمع وبين مصادر العدوان الفكري، أو بين أتباع هذه المصادر عينها فقد يتحول الإرهاب الفكري بعد ذلك إلى إرهاب عملي، تزهق فيه الأرواح، وتنتهك الحرمات، وتستحل الأموال، بل قد يصبح التفجير والتقتيل الجماعي وسط الأطفال والنساء والعزل ويعتبر من مات من هؤلاء الأبرياء ضحايا يبعثون يوم القيامة على حسب نياتهم.

وأشار الدكتور بو عبد الله غلام (في هذا الصدد) إلى انه إذا اتخذت مدارس الإرهاب الفكري منابر، ووسائط أخرى غير المسجد لترويج أفكارها، وتجنيد أتباع جدد لها، تضاعف الخطر بقدر قوة الوسيط وتمكنه من خواطر الناس والشباب منهم خاصة، داعياً إلى ضرورة عدم الاستهانة بوسيط الشبكة العنكبوتية الإنترنت، ولا بوسيط الإذاعة والتلفزيون، وما يتمتعان به من حرية في البث، فضلاً عن الأسطوانة، والشريط، والمطوية، والكتيب، والعمل الجواري داخل الأحياء الجامعية، وداخليات المؤسسات التربوية، ودور الترفيه والثقافة

وأعاد وزير الشؤون الدينية والأوقاف الجزائري التأكيد على أن المسجد، هو أكثر مؤسسات المجتمع حساسية، فهو الذي يملي على مدار نصف ساعة كل أسبوع على الأقل خطابا يصل إلى جميع المرتادين، وهم يرددونه بعد ذلك إلى الأهل والأصحاب، ولذلك فقد حرق النبي - صلى الله عليه وسلم - مسجد الضرار لما علم بوحي السماء أنه مسجد سيهدم ولا يبني وأنه سيفرق ولا يجمع، وأنه سيرهب ولا يؤمن، قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفَنَّ إِنْ أردنا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَّمَسْجِدٌ أسس عَلَى التَّقْوَى مِنْ أول يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ أَفَمَنْ أسس بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أم مَّنْ أسس بُنْيَانَهُ عَلَىَ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ لاَ يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْاْ رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إلا أن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}.

وبين الدكتور عبد الله بو غلام أنه لا يمكن العودة إلى الرشاد، والخروج من حالة التيه التي يمكن يلجها المجتمع بسبب هذه المغالبة غير المتكافئة بين قوى الفكر المتطرف بمختلف مشاربه، وبين المجتمع الذي اعتاد حالة السكينة والطمأنينة، ونما فكره على خاصية التواكل، واعتبار مشكل أمن المجتمع مشكلا بوليسيا، وليس فكريا إلا بالتزام الأمة المنهج القرآني في امتثال روح المغالبة، وعدم إدارة الظهر لها، فقد قال الله تعالى: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ}، لافتاً النظر إلى أن الفضاء الطبيعي للنشاط الديني إنما هو المسجد، وإن أي نشاط ديني يقع خارج المسجد ينبغي أن يصدر عنه، ويوجه به.

وقال: إن مقتضى هذا التصور أن نجعل المسجد قطب امتياز في المجتمع، لا بدافع العاطفة الدينية فحسب ولكن بدافع استراتيجي يهدف إلى تأمين أي نشاط ديني من أن ينحرف عن المصالح العليا للأمة، ويهدف إلى توجيه العاطفة الدينية الأصيلة في المجتمع حتى لا تدفعه تلك الجماعات إلى تصرفات مبنية على تأويلات أو فهوم خاطئة أو مغرضة.

وأضاف قائلاً: إنه يقع على دولنا واجب تلبية هذه الحاجة، بأن تعيد المسجد إلى المهمة التي من أجلها بناه المجتمع، وأن يمكن هذا المسجد بسلطة الدولة من القيام بالمهام التي من أجلها أسس وأنشى، لأنه إذا منع من ذلك فإن المجتمع سيلجأ إلى هياكل أخرى غير الهيكل المعد لهذه المهمة، سواء كانت هذه الهياكل البديلة أقبية منازل، أو مصليات سرية، أو فضاءات بمؤسسات المجتمع المختلفة.

وانتهى وزير الشؤون الدينية الجزائري إلى القول: ولهذا يجب أن نبذل جهداً كبيراً حيال المساجد التي همشتها قوى التطرف التغريبي عن الفعل الاجتماعي، وأوهمتها بأن العلماء هم دوماً خصوم للسلطان من أجل أن نرجع لأئمة هذه المساجد ثقتهم بأنفسهم، وأن نقنعهم بأنهم شخصيات غير منبوذة في نظر مؤسسات دولتهم، بل هم في الصدارة المعنوية للمجتمع، وأن نبذل جهداً لا يقل عن هذا كثافة حيال المساجد التي أقحمتها قوى التطرف الأخرى في شجار وخلاف مع مجتمعاتها، وسولت لها مخاصمة مؤسسات المجتمع، ومغالبتها، والسعي لأن تكون عنها بدائل من أجل أن نرجع هذه المساجد إلى مجتمعاتها، وإرجاع الإمام إلى حظيرة المجتمع، وجعله من منطلق المسجد الذي يشرف عليه متعاونا مع كل مؤسسات المجتمع الأخرى، غير معارض لها وغير مصادر ولا مستأثر بالمهام الموكلة إليها، بل مرشداً وهادياً إلى ما يمكنها من أداء مهامها.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد