قال تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} (185) سورة البقرة.
كان من حكم الله تعالى العظيمة بداية إنزال القرآن الكريم في هذا الشهر المبارك، وهذا يشهر بأهمية تدارسه وتلاوته وحفظه وتطبيقه علمياً وعملياً في واقع الحياة وبخاصة في هذا الشهر الكريم.
فرمضان فرصة عظيمة لتدبر القرآن الكريم ومراجعة حفظه، والتزود من آدابه وأخلاقه وفضائله، فهو فرصة عظيمة لترسيخ معاني القرآن الكريم، فلا يكون شغل المسلم والمسلمة ختم القرآن دون وعي لما تحمله حروفه وكلماته من علم وتقى وخير وهدى، وما قال تعالى: {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} (24)سورة محمد، وكذا بيّن عظمة ما فيه من الأوامر والنواهي، وضرب لذلك مثالاً عظيماً يهز الأفئدة، قال تعالى: {لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ}(21)سورة الحشر.
فينبغي علينا أن نغتنم شهر رمضان ونربي أنفسنا وأبناءنا على القرآن، فنحصل على بركة رمضان وبركة القرآن.
من أعظم مجالات التقوى حكمة إنزال القرآن في هذا الشهر الكريم، فهو يعد من المكرمات التي يجب أن يعي قدرها كل مسلم، فنزول القرآن في هذا الشهر الكريم، ومدارسة جبريل -عليه السلام- لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم يدل دلالة واضحة على عظمة هذا الشهر وما فيه من الحقوق والواجبات التربوية الروحانية، والآثار الاجتماعية وغير ذلك، لتحقيق رسالة {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.
{مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى} ماذا نكتب؟ وماذا نقول؟ وما فعل مليار مسلم في الحياة مع القرآن؟ أين أثر القرآن في صلواتنا في صيامنا في أعمالنا في تهذيب أخلاقنا في إعلامنا!
لقد أنزل هذا الكتاب بلسماً شافياً لأمراض الأمم، وسعادة سرمدية لبني البشر، ومنهجاً حكيماً للحياة في الدنيا والآخرة.
فما الذي جرى؟ وما الذي حصل في أمة المليار من أهل القرآن؟
فلن نكتب عن انحراف المئات بل الألوف من المسلمين في كل ساعة من ساعات دوام القنوات الفضائية المتواصل ليلاً ونهاراً، فلم تعد تلك الجيوش الزاحفة إلا للتربص بالمسلمين وقتل الفضيلة فيهم وتشتيت جهودهم، وإشاعة السطحية واللهو والسخافة لتمتلئ بها أوقاتهم.
وأمام كل هذا الاستعداد الشرس والتواصل الإعلامي المقنن لكل مسلسل وخيمة رمضانية ووو...؛ هل سيقف المسلمون متفرجين على ضحكات فلانة، ومشدوهين بحركات ساحرة على الشاشة! ورحلة من سيربح الجوائز في فوازير باهتة!
لن تكون أمة هذا حالها، وهذا حال إعلامها إلا في شقاء وشقاء ثم في شقاء!
لكن ما أعجز الكلمات في مثل هذه القاصمات، ومتى في رمضان التقوى.. رمضان القرآن.. رمضان الدعاء.. رمضان المعالي! وستظل حروفنا جامدة كجمود مواقف المسلمين وأصوات إذاعاتهم وقنواتهم! لكنه القول الحق والوعد الصدق {مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى}.
{إِلاَّ تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَى} فهو تذكرة سعادة وجواز مرور إلى الجنة، وتذكرة حق لمن يبحث عن الحق.
{تَنزِيلاً مِّمَّنْ خَلَقَ الأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى * الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى * لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى * وَإِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى * اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى}(4- 8)سورة طه.
فكأن الله تعالى يعلمنا في هذه الآيات من الذي نخشى، ولماذا نخشاه؟
فنخشى الذي أنزل هذا الحق من السموات العلى، والذي له ما في السموات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى.
والذي يعلم كل الأعمال والأقوال ما جهر منها وما خفي من المؤامرات على تشويه طعم العبادات الربانية ورسائلها القرآنية الجليلة في رفعة البشرية وخدمة الإنسانية.
وهو الله الذي لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى.
فهذا الله الملك الكريم السلام القدوس المؤمن المهيمن الذي يجب أن نخشاه، ولا يخشاه أحد إلا آمن بقرآنه وعمل بطاعته، وانتهى عن زواجره، فحق له أن يفوز برعايته الإلهية الكريمة وعنايته الحكيمة التي تحقق له السعد والهناء والفوز بالجنات العلى..
فهل بعد هذا الإعلام الكريم والشهادة من رب العالمين {مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى} شقاء لمن تذكره وعلمه وعمل بما أنزل فيه في رمضان.
الأحساء
drhuda87@hotmail.com