الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيا أيها الإخوة الكرام الأحبة، ويا أحباب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فلا شك أن ما سمعناه من الاعتداء الآثم على سمو الأمير محمد بن نايف -حفظه الله- هذا الأمر الذي يزعج ويقلق كل مسلم وكل مؤمن، وخاصة ونحن في شهر رمضان المبارك، شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النار؛ لا شك أن هذا الأمر الذي سبق وأن نبهنا عليه مراراً وتكراراً؛ أعني حرمة دماء المسلمين، التي يتساهل فيها بعض هؤلاء المتطرفين المتنطعين المتشددين، يتساهلون في دماء المسلمين، ويتساهلون في القتل الذي هو من أكبر الكبائر، يقول سبحانه وتعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاَتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إَلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً}(10)
روى البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الكبائر فقال: (الشرك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس...) (2).
وفي كتاب النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي كتبه إلى أهل اليمن؛ وبعث به مع عمرو بن حزم: (وإنَّ أكبر الكبائر عند الله يوم القيامة: الإشراك بالله، وقتل النفس المؤمنة بغير الحق، والفرار في يوم الزحف..) الحديث (3).
والأحاديث كثيرة التي تشدد وتؤكد على جريمة القتل منها قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أعان على دمِ امرئٍ مُسلمٍ بشطر كلمة، جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه آيسٌ من رحمة الله )(4).
ومنها: ما رواه ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لن يزالَ المؤمنُ في فُسحةٍ من دينه ما لم يُصِبْ دماً حراماً) (5)، إذا لم تصب دماً حراماً فأنت في فسحةٍ؛ عندك مجال ترجع إلى ربك، تندم وتتوب وتصلح شأنك، ولكن إذا ورطت في هذه الورطة لم يكن لك فسحةٌ عند الله جل وعلا.
قال ابن عمر رضي الله عنه تعليقاً على هذا الحديث: من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها، سَفْكُ الدمِ الحرامِ بغير حِلِّهِ.
وإذا كان قتل المسلم -أيَّ مسلم- كبيرة من الكبائر، فلا شك أن قتل رجل الأمن المسلم الذي يعمل لحماية أعراض الناس ودمائهم وممتلكاتهم، ذلك الذي يسهر حيث ينام الناس، ويعمل حيث يرتاح الناس، وينصب ويعاني حيث يلهو الناس؛ لا شك أن قتله زيادة في الإثم والوزر، فكيف إذا كان المستهدف رأساً في حفظ الأمن وضبطه، ومسئولاً ينضبط ببقائه ويقظته أمن البلاد والعباد -كما هو الحال في محاولة اغتيال سمو الأمير محمد بن نايف، حفظه الله-؛ فلا شك أن كل ذلك يضاعف الإثم والذنب والعقاب من الله تعالى.
إن رجال الأمن مسلمون وموحدون ومصلون وصائمون، ولهم أجرٌ عظيمٌ -إذا صدقوا مع الله تبارك وتعالى-؛ فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سئل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن أجر الرباط فقال: (من رابط ليلة حارساً من وراء المسلمين كان له مثل أجر من خلفه ممن صام وصلى) (6). كتب الله له أجرهم لأنهم يحرسون المصلين الصائمين، العابدين والعابدات، والصائمين والصائمات؛ يحرسونهم في بيوتهم، في أعمالهم، في أموالهم، في مساجدهم، فلهم أجر معهم كما قال صلى الله عليه وسلم.
والسعي في قتل رجال الأمن إلى الإخلال بالأمن؛ وقد قال الله تبارك وتعالى مذكراً بنعمة الأمن: (7) نعمة يمتن الله جل وعلا بها علينا، بعد أن ذكر منة بيت الله الحرام، ونعمة الدين ونعمة الطعام والشراب: فتأتي هذه الشرذمة لتقضي على هذا الأمن، هذا هو هدفها وهذه غايتها؛ أن يضطرب الأمن، وأن ينفك زمامه؛ لا وفقهم الله تبارك وتعالى.
لهذا القصد ولهذا المراد يقول النبي صلى الله عليه وسلم في ما رواه البخاري في الأدب المفرد: (من أصبح آمناً في سربه، معافاً في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حِيزَتْ له الدنيا بحذافيرها) (8) نعمة الأمن لا تُعادِلُها نعمة إلا نعمة الإسلام.
نعمة الأمن من أعظم النعم التي أنعم الله جل وعلا بها علينا، وإن من صميم عمل رجال الأمن؛ حفظ الأمن كما ذكرنا، والذي لو انفرط لقتل الآلاف من الناس، وهذه البلاد من حولنا التي انفرط فيها الأمن نسمع ونرى كل يوم كم يقتل فيها بسبب قلة الأمن، فرجال الأمن هم سبب بعد الله تبارك وتعالى لحفظ هذا الأمن كم قبضوا على لصوص أرادوا سرقة المسلمين، وعلى مجرمين أرادوا قتل الناس، كم وفقهم الله تبارك وتعالى لذلك، إذاً: مسئوليتهم عظيمة وخطيرة وجسيمة.
أيضاً مما وقع فيه أولئك الجهال الذين حاولوا تنفيذ تلك المؤامرة: الغدر؛ فبعد أن أعطاهم سموَّه الأمان، وأدخلهم بيته، ورفض أن يتعرَّض لهم أحدٌ من الجنود بأي نوع من الأذى، بعد هذا كله يقوم هذا الانتحاري الجاهل بتفجير نفسه، أملاً في أن يقتل التفجير سموَّ الأمير، لكن الله حفظه ورعاه والحمد لله تعالى.
فهذا الذي فعله ذلك الانتحاري من الغدر والخيانة وعض اليد التي امتدت لمساعدته، وهذا ليس من صفات المؤمنين بل من صفات المنافقين، فالمنافق خائن وغادر.
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا جمع الله الأولين والآخرين يوم القيامة، يُرفعُ لكل غادرٍ لواء فقيل: هذه غدرت فلان ابن فلان)(9). يشهَّر به أمام العالمين.
والغدر لا يجتمع مع الإيمان كما قال صلى الله عليه وسلم: (لا يجتمع الكذب ولا الغدر في قلب مؤمن أبداً) (10) صفة من صفات المنافقين، يباغت الذين يسعون للأمن ويحافظون عليه فيأتيهم من ورائهم فيقتلهم.
أيضاً: إن قتل رجال الأمن ليس قتلاً لهم فقط، إنما هو قتل لأزواجهم، قتل لأبنائهم، قتل لآبائهم، الذين يقومون على رعايتهم، فهؤلاء الجهلة الذين يقتلون الجنود وحُرَّاس الأمن فضلاً عن المسئولين عنه؛ لا ينظرون ولا يفكرون فيمن وراءهم من الأُسَر، من الأطفال الصغار الذين لا ذنب لهم، من النساء المؤمنات الصالحات العابدات اللواتي لا ذنب لهن، من الآباء والأمهات الذين يدعون لأبنائهم في الليل وفي النهار، وينتظرون مساعدتهم وعونهم مادياً ومعنوياً، فيأتي هذا الغادر فيضيع ذلك الأب وتلك الأم وذلك الابن وتلك البنت، واليتم أمره عظيم وصعب فهو ضياع إلا من رحم الله تبارك وتعالى، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أنا وكافلُ اليتيم كهاتين في الجنة)(11) مع الرسول صلى الله عليه وسلم في الجنة، لماذا حتى لا يضيع الأبناء، لأنه لو ضاع هؤلاء الأبناء ضاع المجتمع وتضرر الناس، وكبرت البلوى، ولكن هؤلاء الجهلة لا يدرون ماذا يفعلون؟! لا يدرون ماذا يعملون؟!.
ونسوا أيضاً: أنهم يعرضون أنفسهم لدعاء هؤلاء وغيرهم من المؤمنين، فتلك المرأة التي قتل زوجها، وذلك الشاب الذي قتل أبوه، وتلك الأم والأب الذين قتل أبناؤهم؛ لا شك أن دعواتهم عند الله تبارك وتعالى مستجابة، أفلا يخشى هؤلاء الجهلة من دعواتهم؛ أن يقوموا في جوف الليل ويرفعوا أكف الضراعة أن ينتقم الله جل وعلا منهم في دنياهم وأخراهم، ويضيعوا أنفسهم دنيا وأخرى. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (دعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام ويفتح لها أبواب السماء ويقول جل وعلا وعزتي لأنصرنَّكِ ولو بعد حين)(12) عرَّضوا أنفسهم لدعاء المؤمنين الذين يسألون الله جل وعلا أن يديم الأمن في بلادهم، وأن يقطع دابر المفسدين، وان يقطع دابر الذين يسعون بالفتنة في بلاد المسلمين، عرضوا أنفسهم لتلك الدعوات وهي سهام وسلاح فتاك لا يستهين به إلا جاهل.
إن مثل هذا العمل يزيد في فرقة المسلمين، وهذا مكسب لأعداء الإسلام، هم الذين يشمتون عندما يروا مثل هذه الأمور، يتألم المسلم ويفرح الكافر والفاجر والظالم وعدو هذا الدين.
قال الله تبارك وتعالى: {وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}(13)
وفي الحديث الحسن قال عليه الصلاة والسلام: (عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد، من أراد بحبوحة الجنة فليزم الجماعة) بل نحن مأمورون ليس بترك الفرقة فحسب؛ بل بوحدة الصف، واجتماع الكلمة، لتكون كلمة واحدة قال جل وعلا: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} (14) الأمة اليوم مدعوة أكثر من أي وقت مضى إلى اجتماع كلمتها، والله لو اجتمعت كلمة المسلمين لا نهزم أعداؤهم في اللحظة التي يجتمعون فيها، ويتفقون فيها، ويتحدون فيها؛ هي نفس اللحظة التي ينهزم فيها أعداء الله تبارك وتعالى، ويسقط فيها المحاربون لدين الله تبارك وتعالى، والمؤذون للإسلام والمسلمين.
الأمين العام للهيئة العالمية لتحفيظ القرآن الكريم