المدينة المنورة - خاص بـ«الجزيرة»
أكد د. محمد بن يحيى حسين غيلان - الأستاذ بالمعهد العالي للأئمة والخطباء بجامعة طيبة- أن أهمية الموضوع الرئيس لندوة (القرآن الكريم والتقنية المعاصرة.. تقنية المعلومات)، التي يعتزم مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف تنظيمها في الرابع والعشرين من شهر شوال القادم، يأتي في إطار اهتمامات المجمع في تسخير التقنية في خدمة القرآن الكريم وعلومه، وكان للمجمع السبق في هذا المضمار في استخدام الأجهزة الحديثة في الطباعة والتسجيل والتفسير والضبط، وأن هذه الندوة دليل على ما يبذله القائمون على هذا الصرح الشامخ في سبيل الارتقاء بعلوم الوحيين الكتاب والسنة، إلى المستوى المنشود، والعناية المأمولة.. جاء ذلك في حوار مع د. غيلان.. وفيما يلي نصه:
* في البداية قلنا له: كيف ترون ندوة (القرآن الكريم والتقنيات المعاصرة) التي سينظمها مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف الشهر القادم وأهميتها؟
- من واجب كتاب الله علينا أن نقدم له كل ما نستطيعه من دراسة وأبحاث وندوات ومؤتمرات توضحه وتقربه إلى الناس، وتسهل عليهم حفظه ومعرفة معانيه وتطبيقه في واقع حياتهم، لأن الوظيفة الأساسية للقرآن هي إصلاح الناس، قال تعالى: (إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا، وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا).
وما هذه الندوة إلا درة من عقد البناء المبارك الذي بدأ بتشييده النبي الكريم في تعليم الناس القرآن الكريم وتزكيتهم به، وبيان معانيه وحكمه وأحكامه لهم، قال تعالى: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ)، وقد استمرت الأجيال بعده من علماء الأمة في هذه المسيرة المباركة، فكانت العناية بالقرآن وعلومه من المهمات التي قاموا عليها خير قيام، وتظهر تلك الأعمال في العلوم التي قدموها في التفسير وأسباب النزول والناسخ والمنسوخ وإعراب القرآن، وفي كل ما يسمى بعلوم القرآن.
وفي تلك المسيرة العلمية المباركة يأتي الموضوع الرئيس لهذه الندوة - بجميع محاوره - كما يأتي متوافقاً مع الثورة التقنية التي يعيشها العالم في شتى مجالات الحياة العلمية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية وغيرها. وتجدر الإشارة إلى أن هذا المجمع المبارك كان له السبق في استعمال هذه التقنيات في خدمة كتاب الله طباعة وتسجيلاً وتفسيراً وضبطاً.
وفي الندوات السابقة للمجمع إضافة لهذه الندوة المباركة دليل كبير على الجهد الكبير الذي يبذله القائمون على هذا الصرح الشامخ في سبيل الارتقاء بعلوم الوحيين الكتاب والسنة إلى المستوى المنشود والغاية المأمولة، ومن ينظر في البدايات يعلم ما وصل إليه العمل في هذا المجمع.
ومع ما نراه من تطور سريع في أداء المجمع بفضل الله ثم بفضل الجهود المبذولة - في خدمة الكتاب والسنة وعلومهما المختلفة - فإننا نطالب بمزيد من الندوات والدراسات في تلك الجوانب التي من شأنها المساعدة في الوصول بهذا العمل المبارك إلى أعلى مستويات الجودة، وبهذا يكون المجمع قد أدى الأمانة الملقاة على عاتق الأمة كما قال تعالى: (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ) (44) سورة الزخرف.
* تشاركون ببحث في هذه الندوة حبذا لو تفضلتم بإعطائنا لمحة موجزة عن هذا البحث؟
- من فضل الله علي بعد توجيهات - من اللجنة العلمية للندوة - كتبت بحثاً يعد الأول في بابه - فيما أحسب - وأسأل الله له القبول وأن يكون خالصاً لوجهه، وعنوان هذا البحث (الأحكام الفقهية المتعلقة بالمقارئ الإلكترونية).
وبعد بيان سبب اختيار الموضوع نبهت على أهميته ووضعت له خطة ختمتها بكيفية العمل خلال هذا البحث، ثم شرعت في بيان نقاط المخطط لهذا البحث.
وقد اعتمدت - بعد الله - في بيان نقاط البحث على أمهات الكتب في الفقه والتفسير والحديث والشروح، ولطبيعة الموضوع زرت كثيراً من المواقع الإلكترونية، وحاولت الحصول على كل ما أمكنني الحصول عليه مما كتب في هذا الجانب، كما حاولت حصر أقوال علماء الأمة في هذه الوسائط واخترت منها ما يتناسب مع موضع البحث.
وقد كان في ثنايا البحث بعض المسائل التي تكلم فيها الأئمة السابقون مما فيه دليل من نص أو قياس، وفيه مسائل لم يتعرض لها السابقون في كتبهم لحدوثها مع الثورة التقنية الحديثة ولكن لبعض علماء الأمة - وأخص منهم ذوي الصلة بالوسائل الإلكترونية - أقوال فقهية قمت بنقلها وبيان الحجة فيها، كما تعرضت لبعض المسائل التي يكثر دورانها هذه الأيام من صحة التصحيح والتلقي عبر هذه الوسائل، وقراءة المرأة على الرجل والرجل على المرأة، وتعليم الكافر للقراءة في هذه الوسائط، ووضعت الضوابط لكل مسألة لابد فيها من ضوابط مستنيراً بآراء المتخصصين في القراءة ولإقراء ومتابعة هذا العمل المبارك، وكما بدأت البحث بالأهمية وأسباب الاختيار والخطة ختمته بأهم النتائج والتوصيات والفهرسة، وقد نال بحمد الله إعجاب المحكمين حتى أثنى أحدهم عليه شفهياً بينما أثنى عليه الآخر خطياً.
* وسع مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف في السنوات الأخيرة من رسالته تجاه خدمة كتاب الله بتنظيم عدد من الندوات العلمية المتخصصة في القرآن الكريم، والسنة والسيرة النبوية بلغ عددها حتى الآن أربع ندوات، كيف تنظرون إلى هذا التوجه العلمي للمجمع؟.
- تقدم أن هذا المجمع المبارك يحمل - مع هذه الأمة - أمانة كبيرة وواجباً كفائياً، وهو وجوب العناية بكتاب الله وبسنة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، وهما مصدرا التشريع الأساسيان في دين الإسلام. ولا شك أن الدراسات التي قدمها ويقدمها المجمع تنم عن شعور كبير بالمسؤولية الملقاة على عاتقه، وهي نتاج مبارك لمتابعة خادم الحرمين الشريفين وعنايته الخاصة بالمجمع، وللإشراف المباشر لوزير الأوقاف، والأمانة الواعية للمجمع.
وإني - مع كل حريص على العناية بمصدري التشريع - نطالب المجمع - بما هيأ الله له من رعاية وقدرات - أن يزيد في هذه الدراسات التي تصب كلها في صالح الوحيين، وتزيد من نشر العلم والفضيلة بين المسلمين في شتى بقاع العالم، كما نطالبه بتحقيق التوصيات التي يقدمها الباحثون في تلك الدراسات المتخصصة في هذا الجانب العظيم، ورفع مستوى النتائج التي أبداها الدارسون لأعمال هذا المجمع المبارك.
كما أطالب كل من يجد في نفسه القدرة على المساهمة بشيء فيه نفع للكتاب والسنة ويؤدي إلى تقريبهما للمسلمين وتيسير العمل بهما ألا يتأخر عن المشاركة برأيه وتوجيهاته وإبداعاته، وقد رأينا -ولله الحمد- في مجمع المصحف الشريف وسائل كثيرة أنتجتها الدراسات، وجادت بها قرائح المتخصصين في علوم الكتاب والسنة وعلوم التقنية الحديثة أحدثت تغييرات كبيرة في تقدم علوم الكتاب والسنة وتقريبها للأمة عموماً وللدارسين على وجه الخصوص.
* هناك العديد من الأحكام الفقهية الخاصة بالقرآن الكريم المترتبة على استخدام التقنية الحديثة، نريد التعرف على هذه الأحكام، وهل هناك من يتحرج من استخدام هذه التقنية الحديثة، ويتوقف عن القول بجوازها خوفاً من التحريف أو الزيادة والنقصان؟
- مع التقدم التقني وظهور الوسائل المتعددة والوسائط التعليمية الكثيرة كان لابد من نشوء بعض المسائل الفقهية الحديثة التي يجب على علماء الأمة بيان الحكم الشرعي فيها، وهذه المسائل إما أن تكون جديدة بالكلية وإما أن تبنى على مسائل سابقة وتقاس عليها.
ومن تلك المسائل ما يتعلق بالوسيلة؛ ما الحكم في مسها وصيانتها؟ وما حكم ما بداخلها من القرآن الكريم؟ وما صحة السماع منها؟ ومن المسائل ما يتعلق بالسماع المباشر للشيخ منها، مثل صحة التلقي عنه سماعاً عن طريقها، ومن مسائل تلك الوسائط أحكام القراءة على الشيخ فيها، وصحة الإجازة فيها قراءة على الشيخ، وقراءة الرجال على النساء في هذه الوسائط، وقراءة النساء على الرجال، وتعليم غير المسلمين للقرآن عبر هذه الوسائط لعدم التمييز أو لكثرة المطالبة والتعرض لنا في تلك الوسائل خاصة في غرف المحادثة.
وهذه الوسائط - مع أهميتها، وتيسير الله لكثير من عباده القراءة فيها - لا تخلو من نقص في صوتياتها ومرئياتها، وضعف المعرفة بها عند الطالب أو الشيخ، وهذا النقص والخلل جعل بعض القراء لا يعتمدها في الإقراء وإعطاء الإجازة في قراءة القرآن عبرها على الشيخ.
ولا يختلف أحد في صحة التعليم عبرها وتصحيح التلاوة، والخلاف هو في عطاء السند والإجازة؛ لأن القراءة عبر هذه الوسائط يتخللها ضعف في الصوتيات، وربما خلل في المخارج لا يتمكن الشيخ من تصحيحه لتأخر الصوت عن الصورة أو العكس.
ولعل الله سبحانه وتعالى يمن علينا فيما يستقبل من الأيام بتطور أكثر في هذه الوسائط يجعلها أقرب إلى الصواب مما هي عليه الآن.
وأما موضوع التحريف في القراءة عند التصحيح على الشيخ فهذا بعيد بإذن الله، ونحن نشاهد الفضائيات، وغرف المحادثة، وقد حضرت التصحيح فيها، وألقيت المحاضرات في غرف البالتوك، وحاورت في كثير من تلك الوسائط فوجدتها لا تختلف عن المشافهة الحضورية إلا في أمور يسيرة، وقد بينت ذلك في ثنايا البحث.
وما وضعه المجمع من ضوابط ولجان علمية لتسجيل القرآن الكريم يعتبر توفيقاً من الله وتصديقاً لقوله عز وجل: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (9) سورة الحجر، وأيضاً في هذا دليل على الرعاية والاهتمام الذي يوليه حكام هذه البلاد المباركة للقرآن الكريم، فجزاهم الله على ذلك خير الجزاء.
وما جاء في السؤال عن التفسير المصور ولقطات التعليم المصورة لبعض معاني القرآن الكريم، فهذا يعتبر فناً من فنون التفسير يتماشى مع عصر النهضة والتقنية، وقد رأيت بعض المواقع التي تهتم بهذا النوع من التفسير وتدعيم الآيات بالصور الموضحة لمعنى الآية، من ذلك ما رأيته في موقع الدكتور المسند، وما رأيته في موقع قناة الحافظ من دعاية للتفسير المصور للأطفال.
ومع العمل الجميل في بيان بعض معاني القرآن الكريم مدعمة بالصور إلا أنه يجب أن توضع لهذا التفسير من الضوابط ما يمنع من الاعتداء على مكانة اللفظ القرآني ومعناه المقدس، فلا تصوير للغيبيات ولا تصوير لما لا يعلم كيفيته وكنهه إلا الله، وذلك أسوة للضوابط التي جعلها علماء الأمة للاستدلال بالآيات على الحقائق العلمية التي يتم التوصل إليها بعد البحث والتنقيح في العصر الحديث.
* قدمت التقنية الحديثة، والبرمجيات الخاصة بالقرآن وعلومه، العديد من الخدمات للدارسين والباحثين وطلاب العلم الشرعي، من قواعد البيانات المفهرسة لكلمات القرآن، وحروفه، وأدوات تمييز النصوص، وغيره.. الأمر الذي يجعل طالب العلم يحصل على ما يريده بيسر وهو موجود أمام الحاسوب، ولكن هل تعتقد أن هذه التقنيات التي أفادت طلاب العلم كان لها آثارها السلبية في التحصيل والتنقيب والجد والبحث العلمي؟
- إن النقلة العلمية التي نعيشها في زمن البرمجيات المتطورة أفادت كثيراً وأدت إلى يسر الوصول إلى النص والمعلومة في شتى مجالات العلم، وقربت ما تباعد من أنواع الفنون في غياهب المكتبات والمخازن وبطون الكتب والمجاميع.
لقد أصبح طالب العلم المتمرس في صياغة المعلومة التي يريد البحث عنها - ولا يكون ذلك إلا عن دربة في الفنون التي يزاول النظر فيها - أصبح يستطيع التوصل إلى المعلومة في أمهات الكتب المتخصصة فيها بكتابة عبارته في مجال البحث الذي يحدده فتخرج له عشرات بل مئات النتائج في الكتب التي في مجال بحثه، كما يستطيع حفظ تلك النتائج تحت عنوان خاص يستطيع الرجوع إليها متى شاء.
وبحسب ما زاولته في البحث التقليدي والبحث عبر المكتبات الإلكترونية فإني رأيت - مع الإيجابيات الكبيرة - سلبيات تؤثر كثيراً على طالب العلم ومستقبل كتب التراث من حيث البحث والقراءة فيها، فالبحث الإلكتروني يختلف اختلافاً كبيراً عن تقليب فهارس الكتب والنظر في العناوين، كما أنه يبعد طالب العلم عن كتب التراث والنظر إلى حجم الجهود التي بذلها أئمتنا في رعاية العلوم وتهذيبها، وكما أورثت طريقة البحث الإلكتروني خمولاً في الفكر أورثت أيضاً خمولاً في الجسم حيث لا قيام ولا حركة، بل جلوس وركود يؤدي إلى الثبات والجمود، وأذكِّر بأمر مهم وهو أن هذه الأجهزة ترسل إشعاعات تؤثر على البصر، وقد رأيت بعض الذين أثرت عليهم هذه الأجهزة.
* نعرف الجهود المبذولة من مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف في خدمة القرآن الكريم وعلومه، وتنظيم الندوات واللقاءات العلمية، وحشد الأكاديميين والمختصين من أجل هذه الفرصة، ولكن هل يوجد تنسيق في هذا المجال؟ وهل هناك مراكز بحثية للقرآن وعلومه تتواصلون معها؟ وما أهمية التنسيق بين الجهات العلمية العاملة في الحقل القرآني في خدمة كتاب الله؟
- يعد مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف واسطة العقد وأحسن ما أظهرته الإبداعات البشرية للعناية بعلوم الكتاب والسنة، وكان للقدرات التي يملكها هذا المجمع المبارك والتي أهلته لإقامة البرامج الضخمة والندوات الكبيرة البناءة دور كبير في هذه الأعمال الخيرة.
كما أن ما يحمله الناس من محبة للقرآن الكريم، وما يشعرون به من المسؤولية الملقاة على عاتق الأمة وخاصة العلماء منهم نرى كثيراً منهم يبادرون إلى الكتابة وإبداء الرأي في كل ما فيه مصلحة للقرآن الكريم، وفي برامج المجمع وندواته خير شاهد على ذلك.
ومن حيث تنسيق الجهود في جانب العناية بالقرآن الكريم والسعي للوصول بعلومه إلى أرقى المستويات نشاهد انتشار حلق التحفيظ وتنظيم عملية تعليم القرآن الكريم، ونشاهد المسابقات الفردية والمحلية والدولية، ومسابقة الملك عبد العزيز الدولية وما نشأ بعدها من مسابقات خير شاهد على الرعاية التي أورثها الله سبحانه للقرآن الكريم هذه الأيام بين عباده.
وأما من حيث تواصلي مع مراكز أبحاث القرآن الكريم وعلومه فيمكنني أن أذكر الآتي:
لقد أكرمني الله سبحانه وتعالى بالنشوء في رحاب الكتاب العزيز من الأيام الأولى في التعليم، ففي التمهيدي كنت في حلق الكتاب في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، ثم في حلقات الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم، وفي مراحل التعليم العام تعلمت في مدارس القرآن الكريم حتى أنهيت المرحلة الثانوية، ومع دراستي الجامعية في كلية الشريعة إلا أني فور تخرجي عملت موجهاً غير متفرغ في الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم مساء، ودرست صباحاً مادة القرآن الكريم في كلية التربية فرع جامعة الملك عبد العزيز بالمدينة، ثم مَنَّ الله عليّ بإتمام رسالتي الماجستير والدكتوراة في خدمة الكتاب العزيز، حيث كانت الرسالتان في أحكام القرآن الكريم.
ومن خلال الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بمنطقة المدينة المنورة كتبت عدداً من البحوث في مجال حلقات التحفيظ، ولي كتاب مطبوع بعنوان (دور الجمعيات الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم في تحقيق الأمن الاجتماعي في المجتمع)، وقد تم توزيع الطبعة الأولى في جميع المناطق، وأنا الآن على وشك إعداد الطبعة الثانية، كما شاركت في الملتقيات التي تقيمها وزارة الشؤون الإسلامية المشرفة على هذه الجمعيات المباركة، فشاركت بورقة عمل في الملتقى الثاني بمحافظة جدة بعنوان (صناعة المعلم والمشرف على حلقات التحفيظ واستقرارهما)، وبورقة في الملتقى الثالث بمنطقة الرياض بعنوان (حلقات التحفيظ وأثرها في المجتمع الأثر الإيماني)، وبورقة في الملتقى الرابع في المنطقة الشرقية بعنوان (تعزيز دور الوالدين في تحقيق الأمن).
كما أقمت وأقيم - حالياً - دورات في مهارات الإشراف على حلقات التحفيظ، ودورات في إدارة الحلقة القرآنية تعليمياً وإدارياً وتربوياً، ودورات في تقويم اللسان وتأسيس المبتدئين، وأحسب أني في هذه الدورات قد طوفت معظم مناطق المملكة، كما ألقيت هذه الدورات خارج المملكة، كما ألقيت دورة شاملة في إدارة الحلقة المتميزة في عدد من المناطق والمحافظات.
ولم أزل -ولله الحمد- في اتصال دائم مع بعض الجمعيات الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم وبعض المؤسسات التي لها عناية بهذا الجانب الرائد في حياة الأمة.
* في الوقت الذي نرى فيه الكثير من المواقع الإسلامية، والتي تكرس لخدمة كتاب الله، والذود عنه، نجد في المقابل برمجيات ومواقع مناهضة للقرآن الكريم، وهدفها التشكيك فيه، ومحاولة النيل منه، كيف يمكن مواجهة هذه المواقع؟ وهل نحن في حاجة إلى جهود منظمة لمواجهة هذه الحملات؟ وهل هناك دراسات علمية ترصد هذه المواقع، وتحللها، وتضع توصيات لكيفية مواجهتها؟.
- الصراع بين الحق والباطل قديم ولا يزال مستمراً إلى ما شاء الله، فالله سبحانه وتعالى يقول: (وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ، إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ)، ويقول الله سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ)، وقال تعالى: (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ). والآيات كثيرة في هذا الباب.
ولعل من أظهر الحكم في ذلك ابتلاء الله لعباده المؤمنين بأنواع الابتلاءات التي مصدرها - غالباً - غير المؤمنين، وكان من أشد الابتلاءات ما يتناول المقدسات، مثل: التعديات المختلفة على جلال لله سبحانه وتعالى، أو التعدي على مقام النبي صلى الله عليه وسلم، أو النيل من القرآن الكريم بالسخرية والاستهزاء. وهذه الأمور مع أنها قديمة إلا أنها في هذه الأيام أشد بأساً وأكثر شيوعاً، وقد أعان على انتشارها وسائل الإعلام المتعددة، وبخاصة تلك الوسائل التي لا يمكن مراقبتها وعلى رأسها الإنترنت.
وقبل ظهور وسائل الإعلام الحديثة كان العدوان على المقدسات يتناقله الناس في مجالسهم، ويقرؤونه في كتب اهتمت بهذا الأمر، وأما الآن فقد ظهر على صفحات المواقع والجرائد والفضائيات، ولا شك أن ما تخفي صدورهم أكبر كما أخبر ربنا عنهم.
ولما ظهر العدوان على المقدسات الإسلامية خلال الوسائل الإعلامية المتعددة كان لزاماً على الأمة أن يكون منها مدافع عن مقدسات المسلمين في نفس الوسائل التي يكون منها الهجوم، وقد رأينا مواقع لا تحصى - ولله الحمد- إما شخصية أو مؤسسية انتضت متسلحة بكل وسائل العلم والمعرفة للرد على تلك الفرى والأكاذيب، وقام علماء الأمة بواجب الدفاع والنصرة على الوجه الأكمل، فجزاهم الله خير الجزاء.
كما قامت بعض المواقع برصد الكثير من الاعتداءات والأكاذيب التي تثار حول مقدسات الأمة، وقامت بفضحها والتعريف بها فأخذت حظها من التفنيد والرد.
ومع كل الجهود المبذولة فإننا نحتاج لمتابعات أكثر ولحجج أقوى ولبيان أوفى، فالباطل وأهله لا يزالون يخترعون - في غيهم وعدوانهم - من الطرق والأساليب ما يحسبون أنه أشد نكاية في المسلمين ومقدساتهم، (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ).