من المأثور (اللهم رحماك بالشيوخ الرّكع، والأطفال الرضّع، والبهائم الرتّع، والنساء الرمّل).. (اللهمّ أقم علم الجهاد، واقمع أهل الشرّ والشرك والفساد). ذلك مما أثر وألفناه من الدعاء المسجوع، في بعض النوازل، والمصائب، والكوارث، أو سنوات الإجداب. النص الأول مما أثر لا يزال. أما الآخر من القوالب التقليدية الجاهزة عند بعض الخطباء فلسوء فهمه من بعض الفئات، والتفسير الخاطئ لنصوص الجهاد تخفف منه الكثير من الخطباء وفقهم الله، وربطوه برأي أصحاب السماحة والفضيلة، وأولي الأمر والنهي، أو إلى حين استيفاء أحكامه وضوابطه ودواعيه.
* هذه المقدمة تمهيد لما أريد طرحه ومناقشته والتساؤل حوله، وهو أن هذا المجتمع، بحكم عواطفه الدينية الجيّاشة، وروابطه الاجتماعية العريقة، وحبه الشديد للخير وأهله اختُرق من حيث لا يعلم، وأصيب بالاستغلال من بعض فئاته، ذات الأهداف المختلفة، حيث فسرت النصوص كيفما تشاء، ووظفت ثقافتها الموروثة حسب الظروف، أو ما تقتضيه الأحوال، دون رحمة، أو شفقة، أو ورع، أو إنسانية، أو خوف من الله قبل كل شيء، واستحياء من خلقه.
* في هذا العصر الأجوف من معاني الإنسانية نرى الأطفال الرضّع، والنساء الرمّل، والشيوخ الركّع تستخدم كدروع واقية للتضليل والتمويه والخداع من فئات لهم مآربهم الدنيئة والمشبوهة. فئات مسكينة، وشرائح مغلوبة على أمرها بغفلة من عين الرقيب تستغل أبشع الاستغلال، في استعطاف أهل الخير والإحسان في هذا البلد المعطاء. نستثمر للأسف عباءة الحشمة، والعفة، والرزانة في وسائل الكسب غير المباح والمشروع.
* تحت غطاء هذه الفئات، العاقل منها وغير العاقل لدغنا أكثر من مرة، من جهات مختلفة، وأوتينا من حيث لم نحتسب، وبات البعض منا في حيرة بمن يستغيث، ويستجدي، ويطلب الرحمة، والرأفة بسببهم من الله.
* باسم هذه الفئات، وتحت غطائهم المحذور، كم هرّب من المخدرات، وكم تسلل من لا جئ، ووافد، ومخالف، باسم هذه الفئات وتحت غطائهم كم ضللت الجهات الأمنية، أو حاول البعض تضليلها بسببهم، باسم هذه الفئات، وتحت هذا الغطاء كم تسرّب ونشر من أفكار تكفيرية وتفجيرية. باسم هذه الفئات وتحت غطائهم كم مورست من رذيلة، وانتهكت من فضيلة، باسم هذه الفئات وتحت غطائهم كم استعطفنا أكثر من أمير، ومسئول، وتاجر، واستنجدنا بصاحب الجاه والشرف. باسم هذه الفئات وتحت غطائهم كم ذرفنا من دموع التماسيح، وأقيم العالم وأقعد بهيئاته ومنظماته من أجلهم.
* بعض دول العالم تتعاطف معهم من منطلق إنساني بحت، أما مجتمعنا الخيّر المتماسك فيتعاطف معهم من هذا المنطلق، ومن منطلق ديني يتقرّب بسببهم إلى الله ويتعبّد. ولو أمعنا النظر وجدنا من يستغلهم من ذوي النفوس الضعيفة ويستثمرهم ينشط في مواسم دون أخرى، وينتهز ظروفا معينة، وأحداثا مختلفة للولوج من هذا الباب.
* ومع أننا سنظل في تعاطفنا مع هذه الفئات، بحكم عوامل الضعف المركبة فيهم إلا أن التجارب المتنوعة والمشكلات الكثيرة التي تمر بنا بين حينٍ وآخر من المفترض أن تغيّر نظرتنا تجاه بعض ما ألفناه واعتقدنا بصوابه وسلامته حينا من الزمن، فأمن المجتمع، والمحافظة على مكتسباته، وحماية قيمه وعاداته تتطلب وعيا من الجميع، وتكاتفا من كل الفئات. اللهم ارحم كل هذه الفئات، وقها شر الأشرار، وهيأ لها من أمرها رشدا. ا – ه
dr_alawees@hotmail.com