تتكرر في كتاب الله آيات بينات، عن أخبث حيوان على وجه الأرض، إذْ جاء ذكره في التحريم مقروناً ومؤكداً بالحرمة أربع مرات في القرآن الكريم الذي يُتلى للعظة والاعتبار، وعند المسلمين للامتثال والعمل، حيث مسخ الله سبحانه، أمة تعمدّت عصيان الله سبحانه: عتوّاً ونفوراً.
فعاقبهم الله على هذا العصيان بأن مُسِخُوا على هيئة هذا الحيوان القذر، بما فيه من مساوئ: خِلْقة وسجية وقذارة ونجاسة، وسماجة في الطبع: إنه (الخنزير).
فقد أخبر جل وعلا عن بني إسرائيل، بأنهم نُهوا عن الاعتداء في السبت، والصيد فيه، فتحايلوا على أمر الله، فصاروا يرمون شباك الصيد في البحر قبل يوم السبت، ويتركونها، فتأتي الحيتان في يوم السبت لتمتلئ شباكهم، تحايلاً على أمر الله، وامتحاناً لهم، ويأتون يوم الأحد ليأخذوا هذا الصيد، ويقولون: لم نصدها يوم السبت لأنه محرّم الصيد فيه، تغييراً لأمر الله سبحانه، وعصياناً ومكابرة، والله سبحانه عالم بنواياهم، ولا يخفى عليه شيء من أعمالهم، ويقولون: ما صدنا في السبت. فكان ذلك امتحاناً لهم فجعل الله من هؤلاء المعتدين والمتحايلين على شرْعه جل وعلا: عقاباً عاجلاً في الدنيا: (القردة والخنازير)، ليعتبر الناس بما حصل لهؤلاء المتجاوزين لحدود الله المستهينين بشرعه، وأنّ نقمته سبحانه شديدة، وليُدرك صاحب العقل السليم، ما يحلّ بالمصادم المتجاوز لحدود الله وشرعه جل وعلا، لأن الله إذا غضب انتقم، وإذا تجاوز البشر أمره: عِناداً واستهانة أخذهم أخذ عزيز مقتدر.
وكما هي سنة الله في خلقه، في الأمم نتيجة تجاوز الحدود، وتهاونهم بأمر الله، يعاجلهم بعقاب فيهلك المعتدين، ومن رحمة الله بأمة محمد صلى الله عليه وسلم أنهم لا يُهْلكون بالمعصية مرة واحدة، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، في الحديث الصحيح: (سألت ربي ثلاثاً، فأعطيت اثنتين، ومنعت الثالثة: سألت ربي ألا يهلك أمتي بسنة عامّة كما أهلكت الأمم السابقة، فأعطيت إياها، (يعني لا تعجّل عليهم العقوبة، لعلّهم يتوبون ويرجعون إلى ربهم، فإنْ لم يتوبوا يؤخر العقاب للآخرة.
ثم يقول: (وسألت ربي ألا يسلط عليهم عدواً من غير أنفسهم، فأعطيت إياها، وسألت ربي ألا يجعل بأسهم بينهم شديدا، فمنعت إياها) وفُسر ذلك بما يحصل بينهم من حسد وغيبة ونميمة، وشحناء وبهتان.
فإذا كانت المصادمة بين الناس في الدنيا، تجعل الأعلى مكانة وسلطة، يغضب لينتقم ويعاقب، فإن الله الخالق الرازق، أحق بالانتقام عندما تنتهك حدوده، ولكنه حليم رشيد، فإذا غضب أخذ أخذ عزيز مقتدر، كما جاء في الحديث القدسي ومنه قوله جل وعلا: (أنا الله أخلق ويُعْبد غيري، وأرزق ويشكر غيري).
لكنها العقول البشرية القاصرة، والمفاهيم الفاسدة، والاستسلام لغواية الشيطان الذي أخذ على نفسه عهداً، بأن يُضلّ عباده، ويصدهم عن الحق، فقال سبحانه: {إِلاَّ عِبَادِي الْمُخْلَصِينَ} فإنه لا يقدر على صدهم عن ذكر الله، والاستقامة على شرعه، وقد ذكر بعض العلماء في التفسير، حالات تنبئ عن دور هذا الحيوان الدني في نفسه المضر لخلق الله بأوبئته، نوجزمنها حالتين، وإلا فهي كثيرة:
الأولى : أن نوحا عليه السلام، شكا إليه من كان معه على ظهر السفينة، ممن ذكرهم الله سبحانه: من كل زوجين اثنين وأهله كما قال تعالى: {حَتَّى إِذَا جَاء أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ} (هود الآية 40).
فاشتكى من على ظهر السفينة، من القاذورات والفضلات والروائح الكريهة إلى نوح عليه السلام، فأوحى الله إليه أن يضرب أنف الفيل، فأخرج الله منه زوجاً من (الخنازير)، ذكرا وأنثى، فصارا يلتقمان ما على ظهر السفينة، من أوساخ المحمولين على ظهرها، لتنظيفها وأكل ما يقع على ظهرها من فضلات وقاذورات، فاستمرّتْ في طبائع (الخنازير) إلى الأبد، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وحتى نزول عيسى حين يقتل (الخنزير).
ومن الحكمة أن صار الخنزير حاملا للجراثيم والفيروسات، ويظهر أثرها بين وقت لحكمة أرادها الله وحصل من هذا، أن تأصل في طباع هذا الحيوان، كونه ناقلا للأمراض، ومستودعاً للجراثيم والفيروسات ولا تضره.
وهذا فيما يظهر للناس، من مساوئ هذا الخنزير في الدنيا، والتي تكشف الأيام أوبئة وآفات سببها وحاملها، (الخنزير).
الثانية: في مشهد من مشاهد يوم القيامة لما عجز إبراهيم عليه السلام، عن هداية والده، وانصرافه عن الحق، وتبين له أنه من أصحاب الجحيم، ونهاه ربه عن الاستغفار له، كما بين الله ذلك، في آيات من الذكر الحكيم، طلب من ربه ألا يخزيه، في المحشر بين الأمم.
قال بعض المفسرين في هذه الآيات الكريمة: {وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} (الشعراء الآيات 87-89).. إن الله استجاب دعوته، فإذا جاءت الزبانية، لأخذ العصاة وقذفهم، فإن أبا إبراهيم يقلبه الله (خنزيراً)، فتأخذه الزبانية على هذه الهيئة، ويقذف في النار (خنزيراً)، وبقدرته سبحانه يعيده إلى حالته البشرية، وهذا من هوانه على الله، لعناده واستمراريته على معصية الله.
- وقد أخبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أن عيسى عليه السلام الذي يسميه بعض النصارى المخلّص والمنقذ، عندما يأتي في آخر الزمان، فإنه يجدد رسالة محمد صلى الله عليه وسلم، ويقتل الخنزير (ليزول شره، وتنقطع مساوئه) ويكسر الصليب وعيسى عليه الصلاة والسلام، لم يُصْلب بل شُبه لهم.
ويدخل كثير من النصارى في دين الإسلام: {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ} (آل عمران الآية 19)، وقد قال سبحانه، بعد أن نفى جل وعلا قتل عيسى وصلبه، وأنه سبحانه رفعه إليه، ولكن شكهم فيه، حتى ينزل ليجدد دين الله الحق، بقوله الكريم: {وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا} (النساء الآية 159).
وهذا الحيوان قد كُتب عنه قديماً وحديثاً، الشيء الكثير، وكل تلك الكتابات قدحا لا مدحاً، وتنديداً لا تشريفاً.
ويزداد الأمر عندما يبرز في كل جهة، مرض يهدد البشرية: كالحمى والأنفلونزا المرتبط اسم كل مرض يتفشى في المجتمع باسم (الخنزير) والتي تأتي كل حين وآخر، فترهب المجتمعات لآثارها المعهودة، وما ينتج وفيات بمئات الألوف بل الملايين من البشر إذْ الأمراض الناشئة بسبب هذا الحيوان: معدية وتنتشر بسرعة في أنحاء العالم، كوباءٍ خطير، يموت به في كل مكان، -بقدرة الله- أفواج تتبعها أفواج، وصلَتْ في بعض السنوات بالملايين، في جهة واحدة، فما بالك بالجميع.
إذْ كلما هجمت على مجتمع، أفزعت أهله ومَنْ حَوْلهم، وتتحرك من أجلهم الجهات المعنية: استنفاراً واستفزازاً.
فلمسلمون يلجأون إلى الله سبحانه بالدعاء والاستغفار، والتوبة والإنابة، امتثالاً للقول الكريم: {وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} (الأنفال الآية 33).
وهذا لا يمنع من الأخذ بالأسباب، المعينة على الوقاية من هذا الخطر الداهم، صحياً وعلمياً ووقائياً، يقول عليه الصلاة والسلام: (ما أنزل الله من داء، إلا أنزل له دواء، علمه من علمه وجهله من جهله) ويقول: (عباد الله تداووا ولا تداووا بحرام) لأن الله ما جعل شفاء عباده فيما حرّم عليهم)، أما غير المسلمين فإن الله يسوق لهم الآيات والنذر، وتأتيهم المصائب، في النفس والمال والأمن، وفي المعيشة والولد وغير ذلك من المصائب في شئون الحياة المختلفة.
ومن ذلك الصحة والمرض، لكي ينتبهوا مما هم فيه من غفلة، ليبحث من أراد الله له الهداية، بالمخرج النفسي والصحي الذي تنجلي معه المصيبة، بمثل هذه النذائر التي لامست أوتار القلوب، ومستْ بالصحة والمعيشة، لحرص الإنسان على البقاء عمراً أطول، وبعافية ورفاء، وهذا ما يذكره الله سبحانه، في مواطن من كتابه الكريم، كما قال: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} (فصلت الآية 53).
ولذا، فإننا معاشر المسلمين، عند حاجتنا لديار الغرب، دراسة أو علاجاً، أو سياحة أو تجارة أو غيرها من الأسباب علينا أن نحتاط لأنفسنا، ونتوقى لديننا، وننصح لبني ملتنا، فإن الخنزير قد أدخلوه في كل شيء لرخصه ووفرة دهونه ورغبتهم الاستفادة من كل شيء منه: عظماً وجلداً، ولحماً وشحماً، وشعْراً وظُلفاً وغير ذلك.
وكل شيء منه، بل أحشاؤه كلها حاملة للأمراض، ونوعيات من الأوبئة التي تفتك بالإنسان مرجع أغلبها من الخنزير، سواء انتقلت بالأكل أو اللمس أو النفس.
ولما كان الغربيون، وخاصة النصارى منهم يعتبرون الخنزير ومشتقاته جزءا من حياتهم وطعامهم، في جميع الوجبات ليلاً أو نهاراً.. فمثلا الإفطار في الصباح، بيض مقلي على هيئة عيون بدهن الخنزير لتوفره، مع شرائح مقلية بزيت الخنزير، وهي شرائح مقدّدة من لحم الخنزير، وهكذا بقية الوجبات لا تخلو من ارتباط بالخنزير لكثرة دهنه وشحمه، ومن ثمّ رخْصه، فالبسكويت والفطائر، والكيك والمعجنات مرتبطة بالخنزير، وتدخل شحومه ودهنه في تركيباتها، بل حتى الأكلات الجاهزة للأطفال وقد أوضح لنا ذلك اثنان من الملونين، دخلا الاسلام حديثاً في مدينة (مونتجمري) بولاية (ألبَامَا) جنوب الولايات المتحدة، عندما مررْتُ بتلك الولاية، برفقة زميل حيث أدركنا أول يوم من رمضان: الأول كان مُجْرِماً يقطع الطرقات، فقبض عليه وأودع السجن، فيسر الله له دعاة عرفوه بالإسلام، فأسلم وحسُنت حاله فخففت مدته وخرج وأسلمت معه زوجته، ووجدا عملاً في سوق تجاري كبير وتسمى بإبراهيم، وزوجته تسمت عائشة، والآخر كان قساً فتشاجر مع قس آخر، فقال له: إلاهنا الأبيض، لا يغفر لكم معاشر السود، فغضب وقال: التفرقة العنصرية حتى في الآلهة ولجأ معانداً لأول مركز إسلامي، فشرح الأمر وبينوا له الإسلام، فأسلم وسمى نفسه داود.
صليا معنا الفريضة ثم التراويح، وكان من حديثهما تعريف بالأطعمة التي دخل فيها (الخنزير ومشتقاته) جاهزاً أو معلباً وبينا الأماكن التي يكتب عن التركيب ورموزه مما يجب أن يحذر الإنسان بالسؤال وبقدر ما يستطيع وسوف نوضح تلك المسميات فيما بعد.
* نشرنا بطريق الخطأ الحلقة الثانية قبل الحلقة الأولى، لهذا لزم التنويه، علماً بأن الحلقة الأولى نشرت بالعدد الذي صدر يوم الجمعة الماضي.