إعداد - تركي إبراهيم الماضي - نزار رفيق بشير
|
شرَّفني رئيس تحرير (الجزيرة) الأستاذ خالد المالك بأن أهداني نسخة من الكتاب الذي أعده باسم (فقيد الشورى ذو الأمانتين.. مقالات تأبينية في الدكتور صالح بن عبد الله المالك)، وأهداه لكل من كتب عن الفقيد بعد وفاته قائلاً: (نهدي هذا الكتاب الذي تمثّل كل كلمة فيه عنواناً جميلاً عن الوفاء والمحبة التي سادت علاقة الجميع بالراحل الكبير).
|
والكتاب مجموعة من المقالات التأبينية الرثائية نُشرت في (الجزيرة) وغير الجزيرة وجمعها أبو بشار في هذا الكتاب وأحسن في ذلك، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قيّدوا العلم بالكتاب)، وقال الشاعر.. (كل علم ليس في القرطاس ضاع).
|
وأنا هنا أود أن أقتبس شذوراً من السبائك الذهبية التي حواها الكتاب بين دفتيه في سجايا الراحل المرحوم وأقدمها لقراء (الجزيرة) الكرام.
|
وبداية فإن أول وصف للمرحوم د. صالح أنه ذو الأمانتين أمانة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وأمانة مجلس الشورى.. وحسبك بهما شرفاً ورفعة.. وإلى سجاياه، (وهي مذكورة في نقولات مختارة من كل مقالة أو قصيدة حواها الكتاب):
|
.. (إذا ذكر الباحث المدقق فهو هو وإذا ذكر المثقف الواعي فهو هو.
|
..كما تتجلّى فيه عظمة الأخلاق الإنسانية مع حبه للخير وقيامه بفعله.
|
تميز الدكتور صالح بن عبد الله المالك - رحمه الله - في حياته في كل شيء: ثقافياً وعلمياً وكفاءة في العمل، جاد في عمله بإخلاص.
|
.. كان بحق من أهل الشورى والرأي، يثري الموضوعات طرحاً فتدرك فيه حسن طرحه وقوة فكره وحسن فهمه وعمق تجربته له جلد وصبر على القراءة والمطالعة.. نقي السريرة ودود القلب لطيف المعاشرة صادق المعاملة يعلو البشر محيّاه.. لا تفارقه البسمة حتى في أحلك أيام مرضه.
|
.. كان يلقي أشعته على المسائل المدلهمة فيبدد دواجيها ويكشف غامضها.. يكون الصعب عنده سهلاً والمعضل يسيراً.
|
.. كان يألف ويؤلف يسعى للخير ويدعو إليه، عطاؤه واسع متعدد الأغراض كسب به احترام الناس وتقديرهم.
|
.. كان المرحوم نعم الصديق والرفيق، متواضعاً طلق المحيّا يحترم الصغير والكبير ويفرح بحل مشاكل الناس.
|
.. كان سعادة الأمين العام (لجامعة الإمام) هاشاً باشاً في وجه مراجعيه وحماسه الدائم نتاج عن الأفكار التي يؤمن بها.
|
.. كان أثناء عمله بالبلديات مثال الموظف القوي الأمين، ناهيك عن الإخلاص والنزاهة، كان محيطاً بمداخل الأعمال المنوط بها يؤديها دون طيش أو هوى..
|
.. كان اجتماعياً متخصصاً في علم الاجتماع عاشقاً للغة العربية ملهما متمكناً.
|
.. كان الأكاديمي المتميز والإداري الناجح والأديب الحصيف والإنسان الفذ والباحث الاجتماعي البارع.
|
.. كانت حياته مزيجاً من شيم الوفاء ومواقف الرجولة وأحاديث العصامية ومظاهر الجدية إلى روح العالم والباحث الجاد والأستاذ المنضبط خلقاً وديناً وسلوكاً وعلماً.
|
.. كل ما قيل عن فضله كإنسان وعلمه كأستاذ لا يخالف الحقيقة وأقل ما يستحقه، كان رجلاً وفياً لزملائه وأصدقائه وأسرته المعروفة ولوطنه.
|
.. أمس بكيت في صمت قاتل، وحزنت بتأثر شديد وأنا أشاهد حبيبي وصديقي وأخي وابن عمي الدكتور صالح المالك في غرفة العناية المركزة في وضع مأساوي لا حول له فيه ولا قوة.. دون أن يتعرّف على أحد مما كان حوله.. ثم وافاه الأجل بعد ذلك.
|
.. وهو طُلعة راوية حافظ، حجة في اللغة مرافق للقاموس، وهو كاتب يعنى باللفظ وباختيار العبارة يجيد الخط والأسلوب دقيق الشواهد والاقتباسات فقيه بالعروض ووزن القافية.
|
.. سألته مستفزاً: ما خلفية قصة داود وجالوت التي دفعت بالرسام أنجلو لهذا المجسم؟ وهنا طلب أبو هشام من الممرضة أن تسنده وتجلسه وطلب من زوجته أن تحضر القرآن وفتحه على آيات يعرف مواقعها وقرأها مرتين بصوته من سورة البقرة تتحدث عن قصة طالوت وجالوت وتحدث بإسهاب عن هذه القصة (الكاتب طبيبه).
|
.. كان الدكتور صالح أحد الأشخاص المتميزين بإثراء الجلسة وتفعيلها بالرؤى والأفكار البناءة المتجددة وكان لثقافته الواسعة معطيات تجعل الجلسة متحركة بحيوية نفاذة.
|
.. لقد كان صالح المالك قريباً من النفوس، صافي السريرة، دمث الخلق، نبيل المشاعر، دافق العاطفة، ولهذا نجد له قبولاً لدى كل من يعرفه.
|
.. لقد عرفت الفقيد من خلال أطروحاته الثقافية والعلمية والاجتماعية التي استثمر فيها المعرفة والتجربة معاً، وكان بارعاً في تجنيدها لترشيد المؤسسات المدنية.
|
.. كل ذلك وسع دائرة تفكيره، وتنوع ثقافته، وهذا ما ميز كتاباته وحواراته واتزان آرائه، يزين هذا ويجمله عقيدة سليمة ومنهج وسطي معتدل، وغيرة على الدين ودفاع عنه بالحسنى.
|
.. أدركت عمق التجربة التي اكتسبها المرحوم في حياته العملية، والتي أثرته بالعبر والدروس.. يتمتع بثقافة واسعة، كان موسوعة علمية.
|
.. أما حسن التعامل، والأخلاق الفاضلة، وطيب المعشر، فهي تمثّل الجانب المشرق في شخصيته.. مع العناية بالأدب، وباللغة العربية الفصحى، كان قارئاً وناقداً وكاتباً وناظماً.
|
.. كان الدكتور صالح بدعاباته ومهاراته اللغوية يحاول حين يحتدم النقاش أن يلطف الأجواء بقصائد شعرية وظَّف في إحداها استخدام القمح في الأكلات الشعبية.
|
.. ذلك أنه ابتلي بالمرض في آخر حياته، لكنه كان صبوراً.. قد م لنفسه طاعة الله واستجابته لندائه لعبيده بالصبر {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ}.
|
.. لقد كان نعم الأخ والصديق الوفي.. أحببت فيه سلامة قلبه وصفاء سريرته وصدق طويته.. كان نعم المؤمن المحتسب الراضي بقضاء الله وقدره.
|
.. كان ممن يحفظون وقتهم فلا تراه إلا قارئاً ممتازاً وجاداً وحريصاً على دروسه وأداء واجباته، نموذجاً في حسن الخلق، نفسيته متسامية.
|
.. عرفت فيه الرجل الشهم صاحب الثقافة الواسعة، والعالم المتميز، إذا تحدث في أمر - وهو يتحدث عادة بصوت خفيض وحميمي - تخاله متخصصاً فيه.
|
.. رحمك الله يا أبا هشام رحمة واسعة، وأسكنك فسيح جناته، لقد شكرت الله طوال حياتك فألهمك الصبر على ما قدّر لك.
|
... ومن ذكرياتي مع خليلي (د. صالح) أننا إذا خلونا في غرفتنا قد لا نتحرّج من التغني بشيء من الأناشيد الوطنية العربية المعروفة في ذلك العهد كقصيدة على محمود طه (فلسطين) وقصيدة (دعاء الشرق) لمحمود حسن إسماعيل وغناهما عبد الوهاب.
|
.. فكم سعدت أن أرى ابن مدينتي الحالمة الوادعة (د. صالح - الرس) يحمل الهم القومي في وقت كانت فيه معظم البلدان العربية تعاني من الاستعمار والتواصل مع العالم يكاد يكون مقطوعاً.
|
.. لقد استفدت من ثقافته الأدبية واللغوية على وجه الخصوص أيما استفادة.. وأشهد أنه كان يعود إلى بعض المراجع التي تزخر بها مكتبته.
|
.. من أهم ما تركه الراحل عندي اطلاعه الواسع على اللغة العربية وكنت أستأنس بقواعدها منه، حتى إذا أخطأت بعث إلى ورقة صغيرة يصوب خطأ أو يلفت انتباهي إلى خطأ نحوي.
|
.. لم يكن - رحمه الله - إدارياً فقط أو شورياً فقط، أو أديباً أو شاعراً أو باحثاً لغوياً واجتماعياً فقط، لقد كان كل ذلك فضلاً عما يتمتع به من أخلاق رفيعة وسجايا نادرة.
|
.. عن الحياة يتحدث وهو على سرير المعاناة كي لا تأخذك معاناته بعيداً عن واقع يقينه الإيماني الذي لا يضعف ولا يتزعزع. وعن الجمال والشعر والحلم اللذيذ، عن كل شيء يقربك إليه ويبعدك عن شكواه.
|
في ديوانه (إخوانيات) كان الحديث وليس الحدث، كان الأمل وليس الألم.
|
.. كان آخر أعماله ديوان الرائد (إخوانيات) الذي طرح فيه العديد من المفردات والرموز التي ترسم بين الشموخ والصمود بصورة متفرّدة.. فقده الوطن بوصفه أحد الرموز التي أعطت الكثير في مسيرة التنمية والعطاء عبر علوم وبساتين معرفية ما زلنا نتعاطى منها.
|
.. كان صابراً محتسباً أثناء العلاج ألمس هذا منه عندما أتحدث معه هاتفياً: قوة الإيمان والرضا بما أصابه عن ثبات ويقين لا يتبرم ولا يشكو إلا شكراً لله وحمداً له يعين كل الصابرين.
|
.. كان وهو طفل محفوفاً بالسكينة والوقار لا يعرف الكذب والغضب والصراخ، السماحة والبشاشة والابتسام كانت السمات الغالبة على ذلك الوجه الجميل الذي عبر كطيف لطيف.
|
.. إن ما يَبكيك هو إخلاصك لوطنك وسيرتك العطرة وثقافتك ومحبة الناس لك.
|
.. كان يلقي قصائده ويبث نقده ويعلن عن رأيه في كثير من القضايا الأدبية بطريقة الواثق من مذهبه الثقافي والنقدي.
|
.. كان يعشق اللغة رسم حروفها بخطه البديع رسماً ويغار عليها غيرة المحب الولهان فلا يصبر على اللحن والخلل ويتفطر غيظاً من العي والعجمة والركاكة.
|
.. كان طيب الخلق وحسن السيرة ويخلق جواً مرحاً أثناء الحديث معه بابتسامته البراقة.. ولقد ترك أثراً حسناً وهو علم ينتفع به وذرية صالحة تدعو له.
|
.. كان متهللاً لزواره متحدثاً معهم حديث العالم وكانت ذاكرته متقدة فلم ينل المرض منها رغم تأثيره الواضح على جسمه.
|
.. وسوف يسجل التاريخ الوطني لمعاليه مآثر حقبة يعيشها ونعيشها معه تمتلئ عزاً وفخراً، وستظل أعماله مطبوعة في ذاكرة الأجيال التي تعلمت ونالت ثمار الخبرة والتجربة على يديه.
|
.. كان يملك في رصيده أرقاماً كبيرة من حب الناس وتقديرهم له.. يتحسس حاجات الناس ويسعد لقضائها.
|
.. عرفته الناصح الصدوق الحريص على إتقان عمله على أكمل وجه، المتميز في تعامله مع أصدقائه وزملائه ومحبيه، يسأل عن الصغير والكبير.
|
.. كان صالح المالك الإنسان الذي يشعر برجل الشارع فتجده يشاركه الهموم يحاول مساعدته بفكرة يطرحها أو قصيدة يكتبها.. يعرف دقائق حياة بسطاء الناس وضعفائهم.
|
.. أفقدنا الحبيب من كان حقاً |
نابهاً مخلصاً وفياً أمينا |
عاش في قومه شريفاً نزيهاً |
لم تدنسه شهوة الطامعينا |
.. كان مثالاً للقائد الحازم والأب الحنون والموجه المرشد.. مثالاً حياً للقدوة الصالحة.
|
.. أما فيما يتعلق بنا أفراد أسرته.. فكان - رحمه الله - نعم الابن لمن هو أكبر منه، والأب لمن هو أصغر منه، كان يخيم على مجالس العائلة المزيد من البهجة والسرور حين يكون بين الجالسين.
|
.. كان الدكتور صالح.. بحراً زاخراً من العلم، بعيد الساحل، عميق الغور، غنياً بالدر، صاخباً بالحياة، عطاؤه غير ممتنع ولا منقطع..
|
.. كان شعلة من النشاط في التعريف بالمملكة مستفيداً من خبرته الواسعة في التعامل الدولي ومستنفذاً لغته الإنجليزية القوية في تحليل الأحداث.
|
.. رحم الله أبا هشام فقد ترك لنا إرثاً بالغاً من العلوم وذكراً طيباً في المجتمع كما نلمس بصماته في تنظيم وترتيب واجتماع أسرة المالك التي أصبحت مضرب المثل في اننظام الصفوف والتواجد المستمر في أفراح المجتمع وأحزانه.
|
.. كان ذا قدرة على صياغة أطروحاته، متوازناً في آرائه مدافعاً عن دينه ولغته.. اكتسب محبة عارفيه والمتعاملين معه في الأعمال الرسمية والخاصة.
|
.. يا عم مقدارك على العين والراس
|
وحبك على كل الحناجر قصيده |
بالمرجله نوماس وبالعلم نبراس |
ولك في قلوب الكل ذكرى حميده |
.. كان سمح الوجه لا شفته تخاله |
ما بعد مرت عليه المشكلات |
من كثر ما هو لطيف دار باله |
للفقير وللضعاف الباكيات |
.. كان رطب اللسان طري العبارة رقيق الإحساس لا تسمع منه كلمة نابية في أحد انتقاصاً من إنسان أو تقليلاً من شأن فرد.
|
.. كان يشعرك بأهميتك عندما يتحدث إليك ويناقش أفكارك ويبدي إعجابه بها، كان دائماً يحثني على الكتابة ويمتدح ما أكتب.
|
.. قال: أكره أن أكون في برنامج تلفزيوني لا يحترم اللغة التي أحبها وذكر أنه انسحب من أحد البرامج لأن مقدمها تحدث بلغة عامية.
|
.. صالح في أقواله وأعماله، صالح مع إخوانه وأقاربه ومعارفه وأصدقائه صالح في إنجازاته ومعاملاته، صالح فيما ألّفه من كتب وأبحاث ودراسات، صالح فيما قاله من شعر صادق أسماه بالإخوانيات، صالح فيما خلف من أبناء وبنات.
|
.. أفضل الرجال من تواضع عن رفق، وزهد عن قدرة، وأنصف عن قوة. قال ذلك عبدالملك بن مروان ولو عرف معالي د. صالح المالك لعده منهم.
|
.. يستدعي لمكتبه من يرى رقة حالهم ويعطيهم ما قسم الله دون أن يعلم أحد بذلك.
|
.. ما شكا يوم وتذمر وكان أقوى من الحديد
|
رغم ما عانى من آلامه سعى لنسيانها
|
كان يعاني من الألم لين انقطع حبل الوريد
|
لين ربي اختار روحه تلحق بخلانها
|
.. كان يتحلًّى بكل الصفات الحميدة الفاضلة مع طهارة القلب وحب الخير.. ومما يخفف المصاب علينا جميعاً أنه رحل عن الحياة وله هذا الرصيد الكبير من الحب.
|
.. كانت صداقة حميمة وإعجاباً مني بالشاعر الناثر والمفكر والأديب والصديق الخلوق واستفدت كثيرا من طروحاته ومداخلاته وفصاحة لغته
|
.. إن (صالحاً) تتجسد فيه سمات الإنسان بكل معانيها وكامل خصائصها فمن لطف اللقاء الى سماحة المحيا، يظهر لك ودّاً وحباً وكأنك من خالص محبيه والمقربين له.
|
.. رحمك الله أبا هشام، بمحبة الجميع لك رؤساء ومرؤوسين، فقد اتفق الجميع على محبتك ورقي أخلاقك ووطنيتك ما جعلهم يقولون إنك فقيد الوطن وفقيد مجلس الشورى وفقيد الثقافة والأدب.
|
.. فقد كان الفقيد يذود دوماً
|
|
ولا يرضى بغير العدل نهجاً
|
|
|
|
.. كان إنساناً راقياً في كل ما أعرفه عنه، راقياً في عمله، في فكره، في أخلاقه وتعامله مع الناس
|
|
|
|
|
.. كان الفقيد يلم بكل أطراف المعرفة فهو فقيه ونحوي وعالم اجتماع وشاعر ومحدث لبق، همه أن يقرأ شعره نخبة محدودة من أصدقائه وأن يسمع منهم رأيهم بصراحة في تلك الأبيات.
|
.. أمتع أبو هشام الجميع بأشعاره التي تمتاز بالرقة وعذوبة اللفظ، ولا غرابة فقد ولد في مدينة الشعراء مدينة الرس وترعرع في أكنافها.
|
.. كان الفقيد أحد علماء الاجتماع المرموقين بحكم اختصاصه وترك بصماته في هذا المجال في الجامعات السعودية وبعض الجامعات الأخرى خارج المملكة، كان لا يمل مجلسه ولا يسأم حديثه.
|
.. كان ظاهرة علمية فريدة، ومدرسة جامعة شاملة وموسوعة في كل الاختصاصات العلمية والدينية والعربية والاجتماعية والجغرافية والتشريعية والاقتصادية والرياضية.
|
.. توضأت بالشمس روحه ومضت هناك تشرق في مطلع كل يوم، روحه فينا، صدقه، نبله، ويحيا صالح في كل غرسةٍ قطرةً ماء وفي كل هذا المجال صالح قلب هذه الأرض، صالح مسك الغزال.
|
.. صراحته وحبه للعمل، وصفاء السريرة، والغيرة على الوطن، واهتمامه بالشباب النابهين، يستشير وهو أعلم بموضوعه، دون أن يتعالم وهو عالم، وأن يتعالى وهو أرفع شأناً من مشيره:
|
.. صالح وله بالمجد موقع وعنوان
|
صاحب معالي رجل دولة رجل دين
|
دكتور صاحب عرف والفعل برهان
|
مخلص لدينه والملوك والميامين
|
رجل يقول الحق من قلب ولسان
|
يوم الوفا طبع الرجال الوفيين
|
.. ومن عشقه لهذا البلد أنه غيور جدا على عادات وقيم وأنظمة هذا البلد بصدق ودون تزلف من أحد، فقد ألف الكتيبات باللغة العربية والإنجليزية بأسلوب وسطي لا إفراط فيه ولا تفريط، أجاد الكتابة في الأمور الاقتصادية والصحية والسياسية.
|
.. كنت تثري الجلسة بأفكارك النيرة وآرائك المتميزة وثقافتك المتشعبة، تشد أنظار من حولك حينما تتحدث سواء بالعلوم الشرعية أو الاجتماعية أو الأدبية وحتى الرياضية، وخير دليل هذه الإصدارات المتعددة من الكتب والإبداعات السلسة والبليغة (السهل الممتنع) من القصائد القوية والظريفة.
|
.. الرجل الشهم النبيل المثقف، الرجل الذي ملك كل القلوب، رغم أن الموت غيبه عنا، إلا أن أعماله وسيرته العطرة لا تزال تفوح في كل المساحات التي مر بها.
|
.. رغم مرضه يواصل عمله، يقرض الشعر، يشارك الأمة همومها، فيكتب عن مأساة أطفال العراق وفلسطين وما يواجه الأمة الإسلامية من أخطار، كان متفائلاً لا تشعر أنه حزين، على وجهه هدوء المؤمن المحتسب.
|
.. كان كحامل الطيب إما أن يهديك وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، لم يكن يغيب عن صلاة الجماعة، يسدي النصيحة في قالب سهل رقراق يفيض بالمحبة، دون أن يحس المنصوح بأن أمامه من يمارس دوراً إصلاحياً.
|
.. لقد كان أبو هشام رجلاً كبيراً في سلوكه، تأسرك خلاله وتدفعك إلى احترامه وتقدير خصاله الحميدة ومواقفه المشرفة، لأنه يتعامل بأخلاق الرجال الكبار مع أريحية وتواضع ونخوة.
|
.. اللهم اغفر له يا رب العالمين، واخلفه في عقبه في الغابرين، واغفر لنا وله يا رب العالمين، وافسح له في قبره ونور له فيه.
|
.. رافقته في رحلات عدة فكان نعم الرفيق خلقاً وتواضعاً وأدباً ونبلاً وشهامة ومروءة.
|
.. لقد كان آخر لقائنا بك يا أبا هشام قبل وفاتك بثلاثة أيام وكنت تتحدث معنا بطلاقة حيث تضرب الأمثال وتنطق ببعض أبيات الشعر التي تتمثل بها.
|
.. هناك حكمة تقول: النسور لا تطير أسراباً، بل عليك البحث عنها واحداً تلو الآخر وأنا أقول إنها لا تموت أسراباً بل الواحد تلو الآخر. وأنت نسر بعظمة النسور، فقدناك وحدك وكأننا فقدنا الكثير.
|
.. أمضى سنوات عمره في بذل كل ما استطاع ليشارك بفكره وعقله وجهده في بناء الوطن العزيز، لحق بربه وقد أخذ مكاناً بين رجالات الوطن، وها هي الشواهد قائمة والأقلام تدل على ذلك.
|
.. فهو بحر لا ساحل له، وله صيت ذائع، ولا يحب الشهرة ولا المظهر ومهما بالغت في وصفه فلن أوفيه بعضاً من صفاته الجليلة.
|
|
|
.. كان ذا بصيرة نافذة وصائباً في آرائه، يتلمس الخير لكل من تربطه به علاقة عمل أو صداقة، ولهذا كان محبوباً ومحل تقدير واحترام الجميع.
|
.. ها قد غابت عنا شمس النهار، وقارقتنا شمس الرجال قبل أن يغيب نهارها ويخفت ضوؤها فذهبت بهدوء كما عشت ببساطة، متواضعاً في هيبتك قريباً في رفقتك.
|
.. كان في مقدمة الذين حملوا على أعناقهم وفي ضمائرهم همّ تنمية المجتمع تحت مظلة قيمنا وثقافتنا وثوابتنا، وساهموا في ترسيخ قواعد مؤسسات الدولة العصرية.
|
.. سألني في إحدى الزيارات (أثناء مرضه): هل عزيت فلاناً بوفاة والدته.
|
.. ما كُتب عن الفقيد دلالة على ما منّ الله به عليه من سداد وتوفيق ومن موروث ضخم من الأعمال الجليلة والإنجازات الكبيرة.
|
.. والوطن عندما يصاب بفقدان ابن بار بحجم ووزن معالي الدكتور صالح المالك لا شك أنه مصاب كبير وخطب جلل لأن هذا الرجل العظيم قد ترك فراغاً نسأل الله أن يجعل في خلفه وفي أسرته الخير والسداد.
|
.. كان واحداً من أكفأ من أظلته القبة (قبة مجلس الشورى)، ولو كان لجماد أن ينحدر دمعه لبكت القبة بمكنون حبها.
|
.. بعد تسلمه عمله وكيلاً لوزارة الشؤون البلدية والقروية كان رحمه الله من أعلامها ومبدعيها وممن عمل كل جهده على الاستمرار في تطويرها.. يؤازره ويوجهه صاحب السمو الملكي الأمير ماجد بن عبدالعزيز - رحمه الله - وزير الشؤون البلدية والقروية حينذاك.
|
.. ولما كان عمه الشيخ حمد المنصور المالك رحمه الله هو أول من سعى واستقبل افتتاح المدرسة السعودية في محافظة الرس عام 1363هـ فكان صالح المالك وأبناء أعمامه وإخوانه من الأوائل الذين التحقوا بالدراسة النظامية فيها.
|
.. ينظر إليك مبتسماً ويحدثك عن كل الإيجابيات فيما يراه في كل ما يتعلق بك، يعجبه حديثك فيثني عليه، وتعجبه مدينتك فيحدثك عن جمالها ونظافتها ومميزاتها، يحدثك حديث العلماء ويصمت صمت الحكماء.
|
.. معطياته تمنهجت ثقافة وفكراً وحكمة علت في سماء الإخلاص والتميز فتجسدت عرضاً وطولاً لجغرافية الولاء وحب الوطن.
|
.. وإذا بهذا الرجل الممشوق القوام الناصع البياض والوجه السمح البشوش يرتاح المراجع للحديث معه.
|
.. حزنت لموت رجل وقور ومرب كبير.
|
.. وهو يعتبر من شعراء الرس المجيدين وقد ضمها - موهبته - لديوان شعر صغير الحجم كبير القدر بعنوان (إخوانيات) قالها في معان شعرية راقية، منها قصيدة في رثاء والدته بعنوان (أمي الحنون).. وسوف يترك غيابه ألماً وأسًى عميقين في النفوس ولكن أعماله ستبقى خالدة.
|
.. سرّني إهداؤك المذيل بتوقيعك لآخر محاضرة أعددتها ولم تمهلك الحياة صحياً لترحل لخالقك قبل تقديمها بعنوان (ماذا نعني بأسلمة العلوم الاجتماعية؟).
|
.. كتبوا عن روح فكاهيتك وأنا رأيت حزنك الساكن في عينيك وكأنه يسكنك منذ الأزل، كتبوا عن رجل دولة وأنا رأيت في نظرتك آلام أمة، كتبوا عن رحيلك وأنا ما قرأت إلا وجودك.
|
.. الآلاف الذين شيعوك وأنا أولهم نهمس ونتمنى من المسؤولين ترشيحك لجائزة الدولة.
|
.. لقد ترجل الفارس بعد عمر أفناه في خدمة وطنه بحكمة وتمرس وإتقان في موقع عمله اكتسب خلاله الحب والاحترام والتقدير والإجلال.
|
.. لن أنسى الشيخ صالح وهو يسألني عن والدتي المريضة وهو يعاني أشد المعاناة من مرضه وكأنه يسأل عن أمه، كان المتميز بالسلام على كل من صلى بجانبه فيسلم على الصغير والكبير على السعودي والأجنبي على من عرف ومن لم يعرف.
|
.. تحدثت معك وأنت على رأس العمل ولم تسافر بعد، عرضت عليك أموراً تهم الوطن والمواطن وكانت كلماتك وأحاسيسك تنبع من رجل مخلص لدينه ثم مليكه ووطنه.
|
.. فقد كنت في آخر زيارة له مع عدد من محبيه في حديث شيق عن أمور متعددة على رأسها الإيمان بالقضاء والقدر واليوم الآخر والشكر والدعاء لمن قاموا بزيارته، ذاكراً الله، تالياً كتابه الذي لا يفارقه حتى أجمع زائروه على إيمانه العميق بأن ما أصابه لم يكن ليخطئه حتى أتاه اليقين.
|
.. فقد صدر له ديوان من الشعر بعنوان (إخوانيات) وأهداه إلى أقاربه وأصدقائه وزملائه أعضاء مجلس الشورى وسماه جهد المقل وأنا أقول بل المكثر فإن من يقول قصيدة يسمى شاعراً فماذا يسمى من يصدر ديواناً؟ وهو يذكر إخوانه في مجلس الشورى (بالأوقات الجميلة التي كنا نقضيها في المجلس واللقاءات والاجتماعات، كثيراً ما نتفق وقليلاً ما نختلف، وكل ذلك باجتهاد من الجميع، يجمعنا هدف واحد خدمة الدين ثم المليك والوطن).
|
.. وأشهد الله أن ذكر هذا الرجل قد تجاوز المعتاد المعقول إلى المداولة غير المعقولة، وهذه لعمري سمة لا يمنحها الله تعالى إلا لذي حظ عظيم.
|
.. هذا هو الرثاء.. العزاء.. التأبين.. حديث قليل من كثير قيل في خصائصه - د. صالح المالك - وقليل من مئات القصائد والمقالات التي سطرتها القلوب فيه، دفعني اليوم للبحث عنها هذا الحديث الصادق الذي كتبه أستاذنا خالد المالك في يوم وداع د. صالح المالك رحمه الله.
|
.. ويذكر رحمه الله أنه إذا ذهب إلى أي مكان في العالم في مهمة عمل أو مع الأسرة لابد أن يأخذ معه كتابين أو ثلاثة وهي رفاق السفر الذين لا يستغنى عنهم.
|
.. فهو أنموذج يحتذى بما قدمه من أعمال جليلة لا تنسى ولا يمكن لهذه الأسطر أن تعبر عما قدمه من إنجازات كبيرة.
|
.. كان يذكر عنه حرصه الشديد على طلب العلم وإنصاته بكل جوارحه لمعلميه، واستغلال وقته بما يفيد وينفع، واحترامه الشديد للوقت وتقديره الشديد لأساتذته واحترامهم وحفظ حقوقهم.
|
.. وكان آخر اللقاءات معه حضوره ضيفاً في مهرجان التنشيط السياحي في منتزه القشيع بالرس، وكان من برامج الحفل محاضرته القيمة عن تاريخ الرس والسياحة وأهميتها لمحافظة الرس.
|
.. لقد أحببت معاليه من خلال متابعتي لما يسطره يراعه ومداد قلمه عبر صحيفة (الجزيرة) الغراء من مقالات نثرية وقصائد شعرية توضح مدى تمكنه وتألقه وروعة فكره واتساع ثقافته.
|
.. بحر العلوم ومعناها وجوهرها
|
هل للثقافة بعد الشيخ راعيها |
الشعر يرقى فلا يحصي مناقبه |
مكارم للملا بانت مواريها |
.. دكتور صالح ليتك اليوم تسمع |
تسمع ندايا يوم اصوت واناديك |
اللي صحبك بماضي العمر يقنع |
بأفعالكم والطيب دايم يباريك |
واختامها يا الله يارب تدفع |
عنا البلا وشرور خلق تعاديك |
صلوا على محمد ولخطاه نتبع |
صلوا على محمد وزيدوه تبريك |
أما بعد فقد أعان الله وختمت هذا الموضوع الحزين وكنت استسهلته حين لمعت فكرته في ذهني وانقدحت في خاطري حتى غطست في بحر من الكلام الجميل فماذا أنتقي وماذا أدع؟
|
نقلت نصوصاً من سجايا الراحل الكريم لكل من كتب في هذا الكتاب (فقيد الشورى ذو الرئاستين) وحاولت أن تكون أكثرها تأثراً وتأثيراً وأجهدت عقلي وعيني ويدي بالانتقاء حتى لا يكون هناك تكرار ممل - على أني رافقت في رحلتي الإيجاز غير المخل - وآمل أن أكون وفقت في ذلك إن شاء الله.
|
بقي أن أقول إن الكتاب في غاية الأناقة، غلافه معبِّر عمَّا فيه وورقه صقيل وطباعته جميلة وحروفه واضحة، يظهر معها جهد رئيس التحرير الأستاذ خالد المالك، حتى أخرجه على أكمل وجه، وظهر مع كل موضوع صورة للفقيد في مرحلة من حياته.. الكتاب جاء في (376) صفحة من القطع المتوسط وطبع في مطبعة سفير بالرياض، وأودع في مكتبة الملك فهد الوطنية بالرياض تحت رقم: ردمك 7-1760 -00- 603-978 .
|
وأختم بما ختم بها آخر موضوع في الكتاب وهي قصيدة نبطية وشح آخرها بالصلاة والسلام على نبينا محمد.
|
- الرياض |
|