لا أجد لأيام هذا الشهر ولياليه والناس مثلاً إلا كقوم تجار هبطوا بعيرهم أحد الأسواق ليميروا أهلهم ويأتوا ببضائع يحصلون من ورائها على المال والمنافع، فكان سعيهم شتى، وأمرهم عجبا، منهم من عاد بأحسن حال، ومنهم من كلف نفسه وأتعب راحلته وجاء ببضاعة مزجاة، لا رواج لسوقها ولا منفعة فيها لصاحبها، لقد عمل أناس فيما مضى من أيام هذا الشهر ولياليه أعمالاً هم ملاقوها لا محالة إن خيرا فخير، وإن شراً فشر، قال تعالى في الحديث القدسي: (إنما هي أعمالكم أحصيها لكم فمن وجد خيراً فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه).
ها هو رمضان الضيف الكريم بدأ بتقويض خيامه، وعزم على الرحيل، حاملاً تلك الصحائف التي طويت لا تفتح إلا يوم القيامة {يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} فإكرام الكريم صفة الكرماء، ومن لا يكرم الكريم فهو اللئيم.
وقفة تفكر واعتبار.. حق لكل مسلم أن يقفها مع نفسه في نهاية أيام هذا الشهر، فيسأل نفسه عن الحسنات والسيئات، ويسأل نفسه عن حاله وإيمانه: هل هو الآن كحاله قبل دخول الشهر؟ أم هناك فرق واختلاف؟ وما مدى هذا الاختلاف؟ ما مدى تحسره على دقائق الشهر وساعاته وأيامه التي قضيت في غير طاعة؟ قال الله تعالى {فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ} مع أي فريق هو؟
في نهاية الشهر فرحة العيد أهو مقبول سعيد يهنأ، أم هو مردود فيعزى؟ فأول الشهر مغفرة، وأوسطه رحمة، وآخره عتق من النار.
ولأن انقضى شهر الصيام فقد أعقبه الله من أبواب الخيرات ما فيه بشائر جمة، فالصوم مشروع متى قدر المسلم عليه، فمن صام يوماً في سبيل الله بعد الله وجهه عن النار سبعين خريفاً، ومن صام يوما وافطر يوما فهو صيام داوود عليه السلام، ومن صام يومي الاثنين والخميس فإن الأعمال تعرض على الله فيهما، وصيام يوم عرفة يكفر السنة الماضية، ومن صام رمضان وأتبعه بست من شوال فكأنما صام الدهر كله.
وأعقب الله رمضان بالأشهر الحرم التي عظم الله شأنها حتى نهى عن القتال فيها ابتداء، وفيها أداء الركن الخامس من أركان الإسلام وهو: حج بيت الله الحرام الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: من حج ولم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه. وقال فيه أيضاً: والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة.
إن نعم الله على عباده تترى، وآلائه تتوالى، يتودد إليهم بالنعم، ويبعدون عنه بالمعاصي، خيره إليهم نازل، وشرهم إليه صاعد، لا أحد أصبر على أذى سمعه من الله. فمن كان قد أحسن العمل واجتهد في شهر الصيام فليسأل الله القبول، وليستمر على الخير، وليحرص على ألا يفقده الله حيث أمره، وإن كانت الأخرى، فالله تعالى أمر بالتوبة على الفور فقال سبحانه {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا} وقال صلى الله عليه وسلم: لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة، ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها. وفق الله الجميع للتوبة النصوح.
www.hailqq@gmail.com