قال تعالى { فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}(185)سورة البقرة، ففي الصيام يتمثل أعظم معاني الشكر لله تعالى على نعمه العظيمة وآلائه الجسيمة، فنعمة الهداية إلى الإسلام، والانقياد لأمر الرحمن بصوم ما افترضه في شهر رمضان، فكم من مريض لا يقدر على صومه، وكم من ضال قد أبعده الله عن صومه، وكم من إنسان حال الموت بينه وبين بلوغ شهر الصيام، وكان من أعظم النعم في هذا الشهر وبعده التي تستحق الشكر، إنه شهر الفوز والنصر، ففيه يوم الفرقان، ومعركة حطين، وغيرها من أيام الإسلام المشهودة التي يتذكرها والحديث عنها، يستشعر المؤمن نصر الله تعالى وقرب تفريجه في هذا الشهر الكريم عن إخواننا المستضعفين في كل مكان من ديار الإسلام.
وكذا نعمة اليسر في هذه الشريعة السمحة، وخصوصا في صيام رمضان بأن جعله وقتا محدداً، وزمناً محدداً، وإمساكاً محدداً، ييسر على من لم يستطعه أن يفطر، ثم جعل في العشر الأخير من رمضان ليلة هي خير من ألف ليلة، لم تكن لأحد غير هذه الأمة، قال تعالى {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ}(3) سورة القدر.
ثم جعل انقضاء الشهر الكريم ووداعه عيداً يبتهج فيه المسلمون بقبول عباداتهم وطاعاتهم، وسن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في أيام العيد التكبير لله تعالى على ما أنعم به علينا من صيام رمضان وقيامه على الوجه الذي يرضيه عنا، أفلا يكون شهر الشكر، وقد ضاعف فيه الحسنات، وصفدت الشياطين، وفتحت أبواب الجنات، وأغلقت أبواب النيران، أفيكون الشكر بالتفريط في الصيام والقيام، واللعب واللهو والسهر على المنكرات، وإقامة الحفلات، وحضور المهرجانات، وتقصير وتضييع للروحانيات بعد انقضاء رمضان وما فيه من المحرمات والممنوعات، كل ذلك بحجة إظهار المسرات والأفراح وتبادل التهنئات في أيام المعايدات.
ثم يذكر الله تعالى بعد تعليمنا درس الشكر الواجب علينا في رمضان أو غيره، درسا آخر، قال تعالى {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} (186)سورة البقرة.
فمن أعظم خصائص الآيات القرآنية مناسبة بعضها بعضا، وارتباطها معا فلا يفصلها فاصل أجنبي عنها، وفي آيات الأمر بالصيام والإخبار عن أحكامه، وردت آية الدعاء بألطف أسلوب وأعذبه، لتحمل إلى المؤمنين الصائمين معنى الأنس بالله تعالى، والطمأنينة بقربه فلم يقل (قل لهم إني قريب)، فلم يجعل الله تعالى بينه وبين عباده واسطة بل قال {فَإِنِّي قَرِيبٌ}، وهذا يجعل أعظم الدلالة على أهمية الدعاء، وخصوصاً مع الصيام، فكما قال الرسول- صلى الله عليه وسلم-: (ثلاثة لا ترد دعوتهم، الصائم حتى يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام، وتفتح لها أبواب السماء ويقول الرب: وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين) رواه أحمد والترمذي وقال: حديث حسن، فيجب على الصائم مراعاة آداب الدعاء مع الله تعالى بأن يطيب مطعمه ومشربه وملبسه، وينوي بالدعاء صلاح الأمة في دينها ودنياها وآخرتها، وليدع في أي وقت شاء، وخاصة الأوقات المرجو الإجابة فيها، مثل عند الفطر وعند السحر، ففيه ينزل الرحمن فيقول: هل من سائل فأعطيه؟ هل من تائب فأغفر له؟ هل من داع فأستجيب له؟
ولا تنقضي روحانيات الصيام وتربيته للفرد بانقضاء ساعاته وانصرام أيامه، بل تستمر آثاره ودروسه يستثمرها المسلم خلال عامه حتى يبلغه الله تعالى بفضله رمضان آخر.
ومن علامات قبول العمل الصالح في رمضان أو غيره من العبادات المسارعة إلى التزود من الأعمال الصالحة التي كان يفعلها في رمضان، وغير ذلك من العبادات المشروعة، ومن أهمها الشكر على ما أنعم الله به من النعم الجزيلة ببلوغ رمضان، والقيام بصيامه وأن يتقبله منا سالماً.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الأحساء
drhuda87@hotmail.com