سلطنة عمان - خاص بـ«الجزيرة»
أكد مدير عام الوعظ والإرشاد في سلطنة عمان الدكتور سالم بن هذال الخروصي، على العلاقة الوثيقة التي تربط بين الخطاب الديني والحضارة الإنسانية، مشدداً على أنّ أي حضارة لا تزدهر وتستمر إلا حين يكون خطابها الديني يعتمد على مصدر نقي ومعين لا ينضب، وقابل لأن يجدد الحياة المستمرة والمتغيرة.
وأكد الدكتور الخروصي أنّ عقيدة التوحيد وشريعة الإسلام بهذا الكمال لا بد أن تكون ذات خصيصة، وميزة أعلت من شأنها، ورفعت من مكانها فحازت قصب السبق، عارضاً بعضاً من خصائص الخطاب الإسلامي ومن ذلك:
ربانية المصدر وعموم الرسالة وشمول الخطاب، وهو يجمع بين العقل والنقل، ويجمع بين الروح والمادة، ويجمع مكارم الأخلاق، كما يجمع بين التيسير ورفع الحرج وقلة التكليف، مشدداً على أنّ الخطاب التكليفي في الإسلام لم يقصد منه المشقة ولا الإرهاق فوق وسع الإنسان بل قصد منه التيسير والتخفيف بما يتلاءم وقدرة الإنسان وطبيعته وكلف به، قال تعالى: {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ}، ومن خصائص الخطاب الإسلامي أنه يجمع بين الحقوق والواجبات، ويجمع بين الثبات والمرونة، مؤكداً أن محافظة الخطاب الإسلامي على ثوابته لا يعنى تقوقعه، كما أن انطلاقه إلى التجديد لا يعنى تبديده للتراث، فمرونة الخطاب الإسلامي تقتضي التجديد دون تبديد وإلا لما كان خطاباً عالمياً أبدياً فدواعى الاستمرار التغيير، والتغيير لا يكون في ثوابتنا بل في ما تفرع عنهما، فالقرآن والسنّة لا يشملهما تجديد الخطاب كما يزعم البعض، بل نأخذ منهما لدواعي التجديد والتغيير.
وأكد مدير عام الوعظ والإرشاد العماني، أن الجمع بين الأصالة والمعاصرة هي من مميزات خطابنا الإسلامي وسمة عالميته، ففي الحديث المشهور: (إن الله تعالى يبعث على رأس كل مائة سنة لهذه الأمة من يجدد لها دينها)، فالتطور الذي يشهده الإنسان في كافة مجالات الحياة يستدعي تجديد الخطاب الديني بما يناسب حاجة المجتمع وظروف العصر ومتطلبات الحياة وثقافة البشر فالمرونة والتطور سمة الخطاب الإسلامي، ولا يمكن لدين يستشرف المستقبل إلاّ أن يتجدد في طرحه ووسائله، وكيف لدين ينكر التقليد يبقى راكداً ولا ينزع إلى التغيير والتجديد والاجتهاد، مبرزاً أن هذه الميزات وغيرها في خطابنا الإسلامي تستدعي النظر إلى واقعنا ومقررات شرعنا من أجل النهوض بخطابنا الإسلامي ودفع شبه الطاعنين ومواجهة التحديات التي تعترض طريق هذا الخطاب النقي حتى يبقى على نضارته وقوته.
بعد ذلك تحدث الدكتور هلال الخروصي عن التحديات التي تواجه الخطاب الإسلامي، فذكر منها: تفريط العلماء وإفراط الجهلاء من الأمة.
وقال: إن ظهور التكفير في المجتمع المسلم يعود سببه إلى قلة التفقه قي الدين فيتصدر الفتوى من لا يعرف عن الدين إلا اسمه والقرآن إلا رسمه فيكون من ثماره التقليد الأعمى دون نظر، أو تفكر أو تدبر متناسين قوله سبحانه وتعالى: {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ}، مؤكداً أن غياب العالم عن مسرح الحدث وانحسار القراءة في المجتمع المسلم يشكل أكبر عائق في النضج الفكري المجتمعي، كما أنه عقبة تتحدى الخطاب الإسلامي، ومن التحديات كذلك ضعف الرسالة الإعلامية وقلة استخدام التقنية الحديثة في الخطاب الإسلامي، والعولمة.
وأردف يقول: إن القائمين على الخطاب الإسلامي اليوم كثير منهم يجهل أيسر قواعد اللغة، ولعل السبب أنهم جعلوا اللغة العربية صفاً أخيراً في أولويات الخطاب الإسلامي، كما أن ما يقوي لغة الداعية المسلم حفظه للقرآن الكريم كشاهد يحلي به خطابه ويقوي عناصر موضوع حديثه، فالقرآن واللغة عنصران في الخطاب الإسلامي كونهما أداتين مهمتين في بناء شخصية الداعية.
وشدد على أن هذه التحديات وغيرها، تدعونا إلى النظر في تجديد الخطاب الإسلامي ومعالجة الخلل الناجم وإيجاد الضوابط التي تصحح مساير الخطاب وتقوي لغته وتسهم في بناء الشخصية المعنية به والتي منها: السعي نحو الخطاب الديني الموجّه، حيث إن الخطاب الموجّه هو الذي رسمت خططه ووضحت أهدافه وانتقيت وسائله، وهذا الخطاب الموجّه هو الذي يصحح مساير الخطاب المتشابك ويردع الخطاب غير مسئول فالمجتمع الإسلامي يموج بالتوجهات الفردية في الخطاب غير الموجّه وصورها شتى لا يتسع المقام لذكرها.
ورأى الدكتور الخروصي أن السبيل إلى الخطاب الموجه يتم من خلال: تجريد الخطاب من الفردية والنزعات والعصبية والأهواء والمصالح وكل ما يفسد الخطاب الإسلامي في الخطب والمحاضرات والدروس وغيرها، وتوحيد مؤسسات الخطاب وتحديد شخصياتها واختيار الأكفاء منها ومتابعتها سواء في القطاع العام أو الخاص وهي مسؤولية الحكومات والمؤسسات المعتمدة لذلك، ووضع استراتيجية سنوية لمادة الخطاب ينهج فيها حسب الأولويات في قضايا المجتمع المختلفة فكرياً ودينياً واقتصادياً واجتماعياً وغيرها، والتوعية بأهمية الخطاب الرزين والصحيح، والدعوة إلى عدم تبني الفكر المنحرف والتنبيه إلى أخطاء الخطاب غير المسئول.
وقال: إن من شأن ذلك أن يؤدي إلى نتائج إيجابية للخطاب الموجّه منها: توحيد المجتمع وجمعه على كلمة سواء، وتنقية الفكر وتصحيح المفاهيم المغلوطة، وشيوع ثقافة التسامح والتعايش السلمي في المجتمع الواحد، وإلمام المجتمع بفئاته وثقافاته بموضوع الحدث ومادة الخطاب اليومي أو الأسبوعي أو غير ذلك وتعايشهم مع الحدث للوصول إلى نوعية مجتمعيه صحيحة وسليمة ومدروسة في تصحيح فكر أو شيوع ثقافة أو تجديد وعظ أو تناول مناسبة إلى غير ذلك.
وأفاد مدير عام الوعظ والإرشاد العماني أن الخطاب العلمي يستهدف تحسين صورة الإسلام المشوهة عالمياً وتعريف المجتمعات الغربية بالإسلام الصحيح، وما احتملته دفتاه من قيم ومبادئ وتعليم ومثل ليكون عامل جذب وسبيل دعوة ومنهج تصحيح، وإن شمول الخطاب القرآني يلزمنا تجديد طرحه ومراعاة ظروفه وزمانه، مبرزاً أن الاجتهاد دليل على مرونة شريعتناً الإسلامية التي هي ميزة هذا الدين الحنيف والاجتهاد في الإسلام جاء ليربط بين حاجات البشر المتجددة وثوابت الدين الأصلية بمنهج الوسطية التي بعدت عن الفردية المطلقة في المصلحة أو الجماعية المطلقة والتي لم تترك شؤون العقيدة والعبادة لدور العبادة، كما لن تترك قواعد الأخلاق لضمير الفرد والجماعة، بل نظم كل ذلك تشريع سماوي جمع بين العقل والنقل فصار شرعة ومنهاج حياة.
وفي نهاية حديثه قال الدكتور سالم الخروصي: إن الخطاب الإسلامي عالمي حين هبط به الوحي السماوي ابتدأ ب (اقرأ) التي لا تنتهي، وانتهى ب (أكملتُ) التي لم تبق شيئاً في (الحال والمآل) إلا وحوته دفتي الكتاب العزيز، وما بقى إلا أن ننظر الواقع ونعايش الحدث ونستشرف المستقبل لأمتنا وإسلامنا بفكر منفتح على الإيجاب، وعقلية واعية على الأسباب، وإيمان ثابت على الصواب.
وانتهى قائلاً: إن مميزات الخطاب الإسلامي تستدعي النظر في التحديات التي تواجهنا والبحث عن صيغة جديدة لرسم سياساته نأخذ من الثابت لحاجة الحدث المتجدد في الوسائل ومادة الخطاب، مشدداً على أنّ دعوى الخطاب المفتوح بعيداً عن عين الرقيب دعوى باطلة تفتح باباً يصعب غلقه، وأنّ الحاجة ماسة أيضاً إلى ثالوث الخطاب العالمي (العقلية الواعية والمادة المناسبة، والأسلوب الناجح مع حفظ القرآن الكريم والمحافظة على لغته).