المخاطبات في كل أمة تنم عما يحمله أهل تلك الأمة من ذوق وثقافة وعقول؛ ذلك أن الألسنة مغارف القلوب؛ فإذا كانت تلك القلوب منطوية على العدل، والخير، والإصلاح، والسماحة ونحوها، كانت المخاطبات تحمل تلك المعاني السامية. وإذا كانت الأخرى فكل إناء بما فيه ينضح.
لذا كان حريا بمن له تأثير سواء كان معلما، أو داعية، أو كبير قوم، أو وجيه طائفة، أو مقدَّم صحْب - أن يعنى بمخاطباته، وألفاظه، وأن يستحضر أن لذلك أبلغ الأثر في نفوس أتباعه، وتصرفاتهم؛ فالذي يكثر من الأقوال المنهضة للهمة، المشجعة على الخير، الحاملة على التفاؤل، الجامعة للقلوب، المنفرة من الشر - تجد جلاسه، ومحبيه، ومرتادي ناديه يحملون تلك المعاني، ويتمثلونها في أنفسهم، وينشرونها في أوساطهم.
والذي يكثر من الأحاديث المثبطة عن الخير، الجالبة لليأس، المفرقة بين الناس، يكون أصحابه على هذا النهج.
والذي يكثر من ذكر النساء، أو الأطعمة، أو الأحاديث التي لا تسمن ولا تغني من جوع، يكون لجلسائه نصيب من ذلك.
والذي يكثر من الغرائب، ويغرب في العجائب، ويتسقط الأخبار التي لا زمام لها ولا خطام، يكون لمريديه نصيب من ذلك المرض.
والذي يسود مجلسه الجدال بالباطل، ويكثر فيه اللغط وسوء اللفظ، يكون أصحابه على تلك الشاكلة.
وقس على هذه النبذة ما شئت، والواقع سيصدقك.
وهكذا يتبين أن حسن المخاطبة أثر من آثار فقه النفس، وسلامة الذوق، ونبل الهدف، وبعد الهمة.
كما أن سوء المخاطبة أثر من آثار الرقاعة، والصفاقة، وقلة الذوق، وسقوط الهمة.
الزلفي