كيف لا نكتب عنه، ولا نبوح بما نشعر به نحوه، ولا نعبِّر بصدق عن تثميننا العالي لقول أعجبنا منه، وهل يجوز أن نترك الأصداء المثمنة لدوره وحكمته وشجاعته دون أن نعلق عليها، بينما كل وجهة نظر منه تمس اهتماماتنا، وتتلاقى مع ما يلاقي الهوى في نفوسنا، وهو في هذا لا يجامل في كلمة الحق، إذ إنه اعتاد أن يصرح برأيه واضحاً وصريحاً وملبياً لتطلعات مواطنيه وأمته، دون مواربة أو مجاملة، في مواقف ثابتة مشهودة له وملتزمة بالثوابت.
***
وهذا الملك في كل أقواله وفي جميع مواقفه علَّمنا بأنه لا يتراجع عن مبادئه، ولا يساوم على مصالح وطنه ومواطنيه، وكلما كانت هناك فرصة أو جاءت مناسبة محلياً أو دولياً ترجم هذا الزعيم التاريخي هموم أمته وعبَّر عن حقوقها ومطالبها بصوت عالٍ ومسموع دون أن يخشى في الحق لومة لائم، وما من أحد استمع إليه، أو اجتمع به، أو اقترب منه، إلا وكان انطباعه يحمل صورة إعجاب غير عادية عن فارس تتمثل فيه كل هذه الصفات من المبادئ والقيم والجوانب الإنسانية.
***
وهذا التنوع من الاهتمامات والرؤى الذي تتميز به شخصية الملك عبد الله، مع هذا الانفتاح على العالم والقبول بما فيه من مستجدات جيدة ومفيدة، إنما يمثل جانباً من إدارته للدولة، وحرصه أن تكون المملكة جزءاً فاعلاً وحاضراً في حركة الدول، ومؤثرة ومشاركة في حضاراتها وتطوراتها، وفي جانب آخر فهذا يصور لنا بعضاً من الاهتمام والأصداء لدى الدول والمجتمعات بما يصدر من فعل وقول عن هذا الملك.
***
فالملك الذي يوجه شعبه بكلمات لا لبس فيها ولا غموض بالعمل على تعزيز الوحدة الوطنية، ويدعو إلى نشر قيم المحبة والإخاء بين جميع شرائح وفئات المجتمع، وينادي بمناقشة القضايا الوطنية التي يسهم فيها المواطن بالرأي المسؤول والمقترحات البناءة تجاه القضايا التي تهم جميع أبناء الوطن، لا يمكن لملك بمثل هذه الصفات والمواصفات إلا أن تقابل منه مثل هذه الأقوال بكثير من التجاوب والاستجابة والتقدير العالي لهذا التوجه الجميل.
***
وحين يقول (إن مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني يعد قناة للتعبير المسؤول، وأنه يهدف إلى محاربة التعصب والغلو والتطرف من خلال نشر الآراء المستنيرة والمواقف الحكيمة)، فهو إنما يخاطب الوجدان الوطني، وينبه إلى خطورة التعصب والغلو والتطرف، وفي مقابل ذلك فهو يدعو إلى نشر الآراء المستنيرة التي من شأنها أن تساهم بفعالية في تحقيق ما يدعوه إليه.
***
وليس هناك من هو أقرب من الملك عبد الله بن عبدالعزيز معرفة بالتحديات التي نواجهها في هذه المرحلة المهمة والدقيقة من تاريخنا، وما تتطلبه مصلحة الجميع في التصدي لكل ما يعرِّض سلامة الوطن والمواطن للخطر، مما يقتضي معه - كما يقول - بأن تتضافر الجهود لإيجاد إستراتيجية وطنية تمكن الشباب من التعرف على الطريق الصحيح نحو العمل والتنمية، وتنير عقولهم بقيم الوسطية والتسامح والإخاء التي يدعو إليها ديننا.
***
هناك تيارات فكرية مضللة - ولا شك - لا تريد الخير لهذا الوطن، وقد نبه لها خادم الحرمين الشريفين، وقال إنها لا تريد الاستقرار للوطن، وأنها تحاول السيطرة على عقول بعض الشباب لتثنيهم عن الدور المنشود منهم في مجال البناء والتنمية، وهو يقول بذلك اعتماداً على أحداث دموية شهدتها البلاد على أيدي بعض الشباب المغرر بهم، مما كانت موضع إدانة من مجتمعنا بكل فئاته وشرائحه.
***
إن هذا الانفتاح من الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وهذه الدعوة الكريمة منه إلى التسامح والوسطية، يجب أن تترجم إلى فعل وعمل، وأن يكون ما حدث خلال السنوات القليلة الماضية من تطورات سلبية دروساً وعبراً وعظةً لكل منا، فلا ننجرف نحو الردى بفعل من يقود تيارات مشبوهة تريد أن تعيدنا إلى الخلف سنوات بإذكاء نار الخلافات والصراعات فيما بيننا، أو بالاستجابة لمن يتبنى توجهات باسم الإسلام، بينما هو يخفي كل الكراهية والحقد ويمارس كل ما يتعارض مع قيم الإسلام ويعرض سلامة الوطن والمواطن للخطر.
***
والملك عبدالله في كلماته لدى استقباله رئيس وأعضاء اللجنة الرئاسية لمركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني، وتسلمه التقرير السنوي للمركز لم يفته أن يشير إلى أن هذا الوطن والشعب السعودي لا يقبل بديلا عن الوسطية والاعتدال الذي يرفض الغلو والتعصب بالقدر الذي يرفض فيه كذلك التحلل، فهذا شعب أصيل وهذا وطن مقدس، وإن شذ من شذ فهذه فئة صغيرة لا وزن ولا قيمة لها، وهي مهزومة، وهذا الشعب هو المنتصر.