المشهد الآن مقلوب .. فالعابثون اليوم هم الذين يحتلون مواقع الصدارة في متابعاتنا وحديث مجالسنا، وفي قنواتنا الفضائية .. والغريب أننا ندعي محاربة العابثين، لكننا في الوقت نفسه نحن الذين نفسح المجال لعبثهم أن يمتد ويستفحل، ونصنع مكانتهم، ونحرص على أن نبقيهم دائماً في صدر الصورة تحت الأضواء، بينما نفرض على من سواهم، ممن لا يمتهن العبث أن ينزوي إلى أجزاء في الصورة التي نعلّقها في أذهاننا تفتقد التركيز وحدّة السطوع. هذه واحدة من كوارث نتفنن ونحن نسقطها على واقعنا وحياتنا، سندفع ما يترتب عليها لاحقاً عندما يحتل العابثون كل أجزاء الصورة، فلا يُرى منا إلاّ هؤلاء، ليبني الناس انطباعاتهم وآراءهم عنا بحسب ما يظهر لهم من صورة حرصنا إن نظهرها بهذا الشكل المضلل والبعيد عنا.
فكلنا سمعنا وعرفنا تلك التي خرجت تطالب بإلغاء المحرم، وكأنّ المحرم قانون صاغه من تلقاء نفسه صاحب قرار أو نادى به برلمان أو مجلس شورى، وبغضّ النظر عن موقفنا، فنحن بتداول ونشر أقوالها وما تحدثه من عبث، نصنع لها مكانة تعلم أنها لن تتحقق لها لو أننا غير هؤلاء القوم الذين يبحثون عن العابثين ليضعوهم في صدر الصورة، بينما نهمل ونتجاهل، عن قصد أو دون قصد، تلك التي وهبت نفسها في سبيل الدعوة لله ولهداية الناس والتعريف بديننا، أو تلك التي نثرت مقالاتها المتزنة لتهدي كثيرين بما وهبها الله من علم وتقوى، وربما لا نعرفها أصلاً ..
وكلنا سمعنا عن بطل (البالتوك) الذي يقول كلاماً لا يرتقي لمستوى الكلام، ويطال كل فئات مجتمعنا سخرية وتهكماً، لكننا لا نعرف ذلك الذي حفظ القرآن، وسجل بسلوكه قدوة تقود من اقتدى بها إلى طريق الحق .. وكلنا نشاهد على قنواتنا الفضائية بين فترة وأخرى مجموعة من العابثين الذين أمضوا أوقاتهم تسكعاً في كل حارات الرياض، وقلبوا شوارعها بسياراتهم إلى حلبة للتفحيط والضياع وهدر الوقت والمال، وشباباً ذرعوا شارع التحلية بمركباتم ودراجاتهم دون هدف معلوم، لكننا لا نعلم عن غيرهم شيئاً، ممن تفوّق في علمه أو في فكره وشكّل بسلوكه أنموذجاً لما نتمناه في شباب هذا الزمان ..
هكذا نحن نبحث عن أمر شاذ لنعلي مكانة صاحبه، بكثرة تداوله ونقله وترديده، والخوف - ونحن نكافئ العابثين - أن ينقلب العبث والخروج عما ألفناه إلى أصل يُفرض علينا اتباعه، ويحفر العابثون أسماءهم وما يحدثونه على كل أجزاء الصورة التي يراها الآخرون عنا ... والله المستعان.
naderalkalbani@hotmail.com