مشاهد عدة في الحياة تجعلك تتساءل هل نعاني فعلاً من أزمة في السلوك العام؟
تعالوا نستعرض كثيراً من المواقف اليومية التي تثير الدهشة، مناظر عشرات التلاميذ وهم يدوسون على كتبهم بعد نهاية كل اختبار ألا يثير هذا السلوك الاستغراب؟
أين القيم التربوية التي تعلموها في المدارس معقل القيم الافتراضي؟ ألا يعلمون أن هذه الكتب فيها علوم يجب أن نحترمها؟ ألم نغرس في أبنائنا حب الكتاب واحترامه؟
تُرى لو كانت هذه الكتب المدرسية برسوم مالية هل سيمتهنها التلاميذ؟
وهناك مشهد آخر يتمثل في خروج التلاميذ من المدارس وقت انتهاء اليوم الدراسي، ألا يذكركم هذا التدافع الفوضوي بتدافع القطيع وقت الإعلاف؟
بالطبع هذا ما يحدث في معظم المدارس وأنا أركز على المدارس باعتبار أن مهمة تعديل السلوك منوطة بها، وإذا ما نما هذا السلوك وهو معوج فمن الصعوبة تعديله فيما بعد، فلا يستقيم الظل والعود أعوج.
مشهد آخر يتكرر ليلياً في معظم جوامعنا ومساجدنا وهو الوقوف الخاطئ أمام أبواب المساجد؛ بحجة التأخر عن وقت صلاة التراويح أو القيام، هذا الشاب الذي هداه الله ليقوم بهذه السنة المؤكدة ألم يهذب سلوكه ويحترم أنظمة الوقوف؟ ألم يعرف أنه تسبب في تأخير آخرين حينما سد الطريق عليهم بوقوفه الخاطئ، فأين احترام الناس وأين احترام الوقت؟
ولا يغيظني شيء في هذا السياق مثل مسألة الوقت هذه، تسأل أحدهم متى تأتي فيقول عشر دقائق وأكون عندك، وتتحول العشر إلى عشرين وإلى ساعة، ونحن لا نحرك ساكناً لأننا اعتدنا أنه لا أهمية للوقت عندنا، والأمر يكون أكثر إزعاجاً إذا ارتبط بمصالح البشر، فالموظف الذي لا يعنيه هذا المراجع أو ذاك حينما يقول له راجعنا بعد أسبوع دون مبرر مقنع، ألا يعرف أنه اكتسب إثماً عظيماً، هل يعرف ظروف الناس حينما يهدر وقتهم من أجل كبدة حاشي أو فول قلابة؟
ألا يعلم قول رسول الهدى - صلى الله عليه وسلم -: (المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم، خير من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم)؟
وإذا استعرضنا أحاديث المصطفى - صلى الله عليه وسلم - سنجد أن الأخلاق تتفوق على كثير من الشكليات التي يتمسك بها بعض الشباب - هداهم الله - ويظنون أنهم وصلوا بها درجة الكمال، فالرسول - صلى الله عليه وسلم - يؤكد في غير حديث أن الرجل ليبلغ درجة الصائم القائم بحسن الخلق، ومن حسن الخلق تبسمك في وجه أخيك، وقضاء حاجات الناس التي وكلت بها في عملك، ومن حسن الخلق تنظيم أنفسنا عند أجهزة الصراف، واحترام المرأة خصوصاً إذا كانت أماً أو زوجة فخيركم خيركم لأهله، فليس من الخلق ضربها واستضعافها.
دعوني أحكي موقفاً حدث لي مع أحد الأصدقاء الذين (أمون عليهم).. كنا في سيارته في إحدى الطرقات ففتح النافذة، ورمى بكيس مملوء ببقايا عصائر وتسالٍ في وسط الشارع، فسألته:
ماذا يريد الناس من لحيتك وثوبك القصير إذا كنت ترمي بالمخلفات بكل بساطة في الشارع؟
هذه أمور بينك وبين ربك، الناس تريد سلوكك الحسن، أنا لا يهمني شكلك إذا لم ينعكس على سلوكك المقبول، نحن نعيش في مجتمع واحد ونحتاج إلى بعضنا بعضا، نريدكم قدوة، كما كان آباؤنا والجيل السابق قدوةً دون أن يتأطروا بمظاهر معينة.
دعونا نقبل بعضنا بعضاً بحب دون فرز أو تصنيف يفرض علينا سلوكيات معينة في التعامل مع هذه التصنيفات، دعونا نقبل الرأي الآخر ونتعاون على تعديل سلوكيات كثيرة خاطئة نمارسها يومياً دون أن نشعر بأنها خاطئة، إذا لم تكن هذه المشاعر هي المسيطرة علينا في تعاملنا مع بعضنا بعضا، فنحن بالفعل نعاني أزمة في السلوك ناتجة عن أزمة في الفكر.
Mk4004@hotmail.com