Al Jazirah NewsPaper Saturday  19/09/2009 G Issue 13505
السبت 29 رمضان 1430   العدد  13505
الصَّلف الإسرائيلي إلى أين؟
د. أنور ماجد عشقي

 

المراقب الإستراتيجي في الشرق الأوسط يرى في آخر النفق كتلة من النار تتجه نحو المنطقة لا تلبث أن تنفجر، فإسرائيل لم تكن تخشى الصواريخ الإيرانية واللبنانية فحسب، بل أصبحت تراقب إيران التي توشك على صنع القنبلة النووية خلال سنة من الزمان ، كما يقول التقرير البريطاني الذي نشرته صحيفة (ذي تايمز) البريطانية يوم الاثنين 3-8- 2009م.تقول الصحيفة إن إيران حصلت على التكنولوجيا اللازمة لتصنيع رأس نووي وتفجيره، وإنها تترقب أمر المرشد الأعلى علي خامنئي للبدء في إنتاج أول قنبلة ذرية

ونقلت الصحيفة عن مصادر استخباراتية غربية قولها: إن إيران استكملت في صيف 2003م برنامج البحوث الخاصة بإنتاج اليورانيوم الذي يمكِّنها من تصنيع قنبلة نووية خلال سنة، بعد إصدار المرشد أوامره في هذا الشأن.

لقد أوقفت إيران البرنامج لأنها حققت الأهداف المرجوة منه، وهي الطريقة التي تتمثل في إيجاد السبيل لتفجير رأس نووي، يمكن إطلاقه عن طريق تثبيته على صواريخ (شهاب 3) البعيدة المدى.. وفي حالة موافقة خامنئي على تطوير قنبلة نووية فستستغرق العملية ستة أشهر فقط، من أجل تخصيب كمية كافية من اليورانيوم، وستة أشهر أخرى لتجميع الرأس النووي المطلوب.

والمعروف أن وزارة الدفاع الإيرانية، هي التي تشرف على هذا المشروع منذ سنوات، وتتبنى قسم البحوث النووية السرية، في برنامج تقدر قيمته بمليارات الدولارات، لتطوير تكنولوجيا نووية عسكرية بخلاف البرنامج النووي السلمي، مستخدمة وكالة (آماد) برئاسة (محسن فخري زادة) الأستاذ الفيزيائي والعضو البارز في الحرس الثوري الإيراني، وهو ما أكدته أجهزة الاستخبارات البريطانية وما لم تنفه الحكومة الإنجليزية، ولا حتى الحكومة الإيرانية.

لقد كان لهذا التقرير وقع الصاعقة على إسرائيل لأنه يتفق مع التوقعات الاستخبارية للدولة الصهيونية، لذلك نجد أن الرئيس الصهيوني نتنياهو يشير إلى الخطر القادم من طهران، ويطلب المساعدة الأمريكية في ضربة جوية للمواقع النووية في إيران.

أما طهران فإنها تتوجس من الانسحاب الأمريكي من العراق، لأن ذلك يعني أن أمريكا تحاول إخراج جنودها الذين أصبحوا بمثابة الرهائن، تضمن إيران بوجودهم في المنطقة عدم المشاركة الأمريكية في قصف الأهداف الإيرانية.

فإسرائيل تدرك أن إيران لن تقصف إسرائيل بالأسلحة النووية إذا قدر لها تصنيعها وتركيبها، بل إنها ستقوم بتسريب قنابل تكتيكية نووية بما يعادل واحداً أو اثنين كيلو طن إلى كل من حزب الله، وسوريا، وحماس، بحيث تستطيع قنبلة واحدة منها التأثير في مدينة صغيرة أو قرية إسرائيلية تصل مساحتها إلى خمسين كيلومتراً مربعاً، خصوصاً أن إسرائيل تريد لدولتها أن تكون يهودية، لهذا نجد أن إيران تحاول تسخين الأوضاع في العراق، حتى لا تخرج القوات الأمريكية، مما يجعل واشنطن تقف على الحياد.

ومع أن إسرائيل تصر على الضربة الاستباقية للأهداف الإيرانية، فإن طاقم عمل أوباما يرى أنه بالإمكان الوصول إلى تسوية مع طهران، وأن الخصام بين إيران وواشنطن ما هو إلا خصام عرفي، أما العداء مع القاعدة وشبكتها فإنه في نظر الإدارة الأمريكية غير قابل للحل إلا بإنزال الهزيمة بها.

وتعتقد واشنطن أن عملية السلام وتكوين الدولة الفلسطينية، كفيلان بتجريد إيران من العنصر الخطابي والعمل الدعائي الذي يمكنها من نشر نفوذها في الشرق الأوسط، لهذا نجد الزخم الأمريكي يتركز على القضية الفلسطينية الإسرائيلية، وتحاول واشنطن طمأنة طهران بأن الغرض في نهاية المطاف هو التسوية بين البلدين، وليس العمل على تغيير النظام.

أما بالنسبة للكيان الصهيوني فإنه يواجه عدة أزمات في الداخل، فهناك صراع بين السفارديم الذين هم من أصول يهودية، والأشكنازيم وهم الذين تهودوا من الخرز، لهذا نجد الطرح المستفز داخل إسرائيل يدور حول من هو اليهودي؟

كما تواجه إسرائيل صراعاً في الداخل بين اليهود المتدينين واليهود العلمانيين، فالمتدينون يرون في هؤلاء العلمانيين أنهم كفرة (هيبوقراطيون) وأنهم لا يلتزمون بالأسس الدينية، ولا يحترمون الأعياد ولا يتعبدون إلا في الظاهر، كما يطالبون ببرامج سياسية لا تتفق مع المنظور الدولي.

أما في الخارج فإن صورة إسرائيل أخذت تتآكل، وأخذ العالم ينظر إليها كدولة معتدية قامت على الإرهاب والعنف وترفض السلام وتعمد إلى الخداع، فالعدوان على الشعب الفلسطيني في غزة وتدمير المساكن والمدارس والمستشفيات، وقتل الأطفال والنساء وحصارهم، جعل العالم يرفض التبريرات الإسرائيلية، واليوم يُشكِّل مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة لجنة لتقصي الحقائق في حرب غزة وإصدار تقريره بأن إسرائيل ارتكبت جرائم حرب خطيرة في نهاية العام الماضي، وطالب القاضي اليهودي من جنوب أفريقيا (ريتشارد جولد ستون) الأمن العام بأن يضع المسألة فوراً أمام مجلس الأمن للتطرف بموجب الفصل السابع وإحالته إلى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية في حال رفض إسرائيل إجراء تحقيق يتفق مع المعايير الدولية وبإشراف حقوقي دولي.

أما المناورات التي يعمد إليها رئيس الحكومة الإسرائيلية نتنياهو بخصوص إيقاف الاستيطان، والعمل من أجل السلام فقد باتت ظاهرة للعيان، خصوصاً أن سوط المبادرة العربية لا يزال مسلطاً على الإدارة السياسية في إسرائيل، فالعالم وعلى رأسه واشنطن والأمم المتحدة قد اعترف بالمبادرة العربية، ووجد فيها انسجاماً مع القرارات الدولية، لكن إسرائيل لم تعترف بها، ولا حتى بالمادة الأولى التي تقضي بأن (على إسرائيل أن تجعل السلام خيارها الأول) وهو ما تراوغ إسرائيل عنه، مما جعل العالم ينظر إليها بأنها دولة عدوانية، كما أن نص المبادرة على أن (القدس الشرقية يجب أن تكون عاصمة للدولة الفلسطينية) بالإضافة إلى قضية اللاجئين، والمستوطنات، يجعل إسرائيل تحاول جهدها إسقاط المبادرة.

أما ما يسبب الأرق الإسرائيلي، هو أن الكيان العبري إلى اليوم لم يأخذ شكل الدولة، فالدول التي من حولها لم تعترف بها بعد، كما أنها دولة بلا حدود، لهذا لم تتجاوز حد الكيان ولم ترتق بعد إلى الدولة المتكاملة، لأن الدولة التي بلا حدود تظل مهددة من حيث الوجود.

إن الترسانة العسكرية والنووية التي يمتلكها الكيان الصهيوني، فهي وإن كانت توفر لها الحماية من العدوان، لكنها لن تمنعها من الانهيار، فالاتحاد السوفيتي كان خير مثال على ذلك.

إن على إسرائيل أن تتخذ القرار الصحيح، فهي إما أن ترضخ للسلام، أو أن يرحل شعبها عن أرض فلسطين.

رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات الإستراتيجية والقانونية



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد