لنتخيل أن الوضع أصبح معكوساً وبناتنا مضطرات للسفر من أجل العمل في الدول التي نستقدم منها، فلنقرأ مذكرات واحدة منهن.
الاثنين: أمي الحبيبة، وصلت مانيلا ووجدت سيدي بانتظاري في المطار. أمي أنا سعيدة جداً، فالبيت الذي سأقضي فيه سنتين بعيدة عنكم جميل جداً تلفه حديقة رائعة، وغرفتي صغيرة ومرتبة. سيدتي جميلة ولديها أربعة أطفال.
الثلاثاء: عندما كنت أنظف الحمام أرعبني صراخ مفاجئ. سيدتي تصرخ بي ولا أعلم ما السبب فأنا لا أفهم ما تقول. أعتقد أن هناك شيئاً لم يعجبها في طريقة تنظيفي. فنحن يا أمي لم نتعود أن نلمع الجدران وكل شيء في مزرعتنا بمنظفات غريبة الرائحة.
الأربعاء: اليوم لدينا ضيوف وأنا مستيقظة منذ الساعة الخامسة، أعددت كل شيء لوحدي وكنت فخورة بما طهيت. استيقظت سيدتي قبل الظهر وارتعبت من صراخها ونقدها المستمر لدرجة أني نسيت إضافة الملح في الحساء. بعد انتهاء الدعوة نادتني سيدتي وأعتقد أنها شتمتني بأقبح السباب في لغتهم.
الخميس: عندما كنت ألبس الأطفال ليذهبوا إلى المدرسة (لا أدري لماذا يعاملون أطفالهم على أنهم معوقين فنحن نأكلهم ونزرر أزرارهم، ونحمل حقائبهم، أشعر بالشفقة عليهم) صرخ في وجهي أحدهم وهو في التاسعة من عمره ودفعني على الأرض. أنا لا أعلم سبباً واضحاً لكنه غضب عندما قلت (الأفضل أن تحمل حقيبتك بنفسك فأنت رجل قوي). شعرت بالمهانة أن أعامل هكذا من طفل صغير. فأنا تربيت على أنه ليس من حق أحد أن يصرخ في وجه الآخر بل يخاطبه بما يشعر مبدياً انزعاجه. وأثناء الغداء أخبر والدته التي رفعت إصبعها مهددة إياي إن أنا لم أرضخ لطلبات أي من أبنائها.
الجمعة: اليوم اشترت سيدتي قطع أثاث جديدا (وهم في طور بناء منزل أكبر) طلبت مني أن أفرغ غرفتي الصغيرة في خلال ساعة لتخزن الأثاث. صُعقت لكني لم أجرؤ على الكلام. بدأت أجمع حاجياتي وأقتلع صوركم وصور أبناء أخي من جدار الغرفة وأضمها مع ملابسي في صندوق.
السبت: أشعر بوحشة من النوم أسفل الدرج يا أمي وأحلامي المزعجة تورق مضجعي. أحلم بالنوم على سريري المصنوع من السعف وبتناول قهوة عربية مع تمر. عظامي تؤلمني من العمل من الصباح الباكر حتى منتصف الليل. الراحة أثناء الظهر محرمة علي.
الأحد: يوم الأحد هو اليوم المفضل لدي حيث أستيقظ متأخراً في السابعة وليس علي وجبة غداء أحضرها، حيث تذهب العائلة إلى منزل الجدة كل أحد لتناول الغداء هناك. لكن علي أن أتم الكي لهذا اليوم وأكنس وأغسل السطوح (بالرغم أنه لا تطأه قدم أحد) والفناء الخارجي. وإلى اللقاء يا أمي أتمنى أن أراكم قريباً.
(ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء)
د.ندى الربيعة (الملتقى الأحدي = وهو ملتقى ثقافي علمي للسيدات يعقد في الرياض وتشارك فيه المهتمات بتقديم أوراق عمل ومحاضرات آخر أحد من كل شهر عربي منذ ثلاثة عشر عاما في مدينة الرياض وتبلغ عدد عضواته حتى الآن أكثر من مائتين وسبعين عضوة غير دائمة).