يعتبر وقت الدوام، سواء لموظفي القطاع الحكومي أو القطاع الأهلي، الإطار الزمني الذي فيه تؤدى الأعمال وتقدم الخدمات؛ فالموظف خلال وقت الدوام يقوم بأداء أعمال وظيفته المحددة بحسب قواعد التصنيف إن كان موظفاً عاماً، وبحسب ما يضعه صاحب العمل..
.. مما لا يتعارض مع نظام العمل إن كان موظفاً بالقطاع الأهلي. كما يقوم الموظف خلال وقت الدوام باستقبال مراجعيه ممن لهم علاقة بأعمال وظيفته وتقديم الخدمات الوظيفية اليومية أو الموسمية لهم؛ فوقت الموظف خلال ساعات الدوام ملك لعمله وليست له شخصياً، وليس من حقه التأخر في الحضور إلى الدوام أو الخروج قبل نهايته أو الخروج خلاله إلا في حالات الضرورة وبموجب موافقة مسبقة وألا يكون ذلك بشكل مستمر وإذا حدث أن تأخر الموظف في الحضور للدوام أو حدث خروجه خلاله أو في نهايته من دون إذن رسمي فإن الموظف يكون قد وقع في مخالفة نظامية تتطلب الحسم عليه من راتبه، إضافة إلى خضوعه للمساءلة التأديبية وما يتبع ذلك من تأثير على سمعته وملفه الوظيفي، وقد يؤدي ذلك إلى وضعه في القائمة غير المشمولة بالمزايا الوظيفية كالترقية والدورات التدريبية والابتعاث والانتداب ونحو ذلك.
إن الالتزام بالدوام أمر ذو أهمية وحظي بالاهتمام في بلادنا بالحث على تقيد الموظفين بأوقات الدوام ومراقبة ذلك من قبل المسؤولين بدقة؛ وذلك لما يترتب على عدم الالتزام بالدوام من آثار سلبية على مستقبل العمل وتعطيل مصالح المواطنين.
إن اهتمام الأنظمة الوظيفية العامة أو الخاصة في بلادنا بضرورة المحافظة على وقت الدوام واعتباره عنصراً فاعلاً في كافة العمليات الوظيفية الخاصة بالموظف ليس أمراً مستغرباً؛ فالوظيفة بالقطاع العام أو الحكومي وجدت من أجل تقديم الخدمة للمواطن إذا كانت تلك الوظيفة تابعة لأحد المرافق المعنية بخدمة الجمهور وإذا كان مقر تلك الوظيفة في موقع حكومي آخر فإنها وجدت من أجل العمل على تقديم ورفعة الوطن من ذلك الموقع؛ فعدم المحافظة على وقت الدوام من موظف أو أكثر سيؤدي إلى ظاهرة سلبية وهي التسيب وهو بدوره يؤدي إلى التأثير على أهم واجبات الوظيفة وهو القيام بأعمالها وهو ما يؤدي بدوره إلى ضعف مستوى الخدمة المقدمة للجمهور إذا كانت الوظيفة تابعة لمرفق عام كالصحة والتعليم والطرق والعدالة والأمن العام ونحو ذلك، كما سيؤدي إلى تدني مستوى الخدمة التطويرية إذا كانت الوظيفة تابعة لموقع آخر، أما إذا كانت الوظيفة تابعة لقطاع خاص فإنه كما هو معروف فإن هدف صاحب العمل الخاص بالدرجة الأولى هو تحقيق الربح المادي وهو هدف لن يتحقق إلا بتكاتف الجهود من العاملين في مؤسسته وذلك لن يحصل إلا بمحافظة الموظفين على الدوام والتفاني في العمل خلاله بحسب خطة صاحب العمل.
إذاً فإن الالتزام بوقت الدوام من قبل الموظفين، سواء بالقطاع العام أو الخاص، يعتبر واجباً وظيفياً فرضته الأنظمة واللوائح الوظيفية، ومظهراً حضارياً يدل على تقدم الوعي والشعور بالمسؤولية في المجتمع ويتطلب من الموظف ما يلي:
* تكريس وقت الدوام للقيام بأعمال وظيفته وإذا كان العمل الأساسي للموظف لا يغطي وقت الدوام فعليه استغلال باقي الوقت في التنظيم وقراءة ما يتعلق بعمله من أنظمة وتعليمات.
* عدم الخروج خلال وقت الدوام إلا في حالة الضرورة وبموافقة رئيسه المباشر على ألا يكون الخروج عادة متكررة.
* قيامه بالرد على المكالمات الهاتفية وعدم قصر ذلك على مكالمات معينة.
* التشاور مع رؤسائه وزملائه في بعض المعاملات ذات الأهمية.
أما دور جهة عمل الموظف أو رؤسائه حول ضرورة الالتزام بوقت الدوام من قبل الموظفين فيتمثل فيما يلي:
* أن يكون الرئيس أسوة حسنة لموظفيه في الانضباط في الدوام حضوراً وبقاءً وانصرافاً.
* وضع آلية معينة لضبط حضور الموظفين للدوام في بدايته وخروجهم خلاله وانصرافهم منه في نهايته.
* المتابعة الشخصية من الرؤساء وذلك بزيارة مكاتب موظفيهم من حين إلى آخر؛ للتأكد من تواجدهم وإشعارهم بالمتابعة في هذا الصدد.
ذلك أن الالتزام بالحضور لوقت الدوام وعدم الخروج خلاله وعدم الانصراف قبل نهايته من قبل الموظفين، من الأمور المهمة في الحياة الوظيفية، سواء كان ذلك في المجال الحكومي أو في مجال القطاع الخاص، وذلك بسبب أن وقت الدوام هو الذي يتقرر فيه أداء واتخاذ القرارات واستقبال المراجعين وإنهاء معاملاتهم واكتساب الموظف لحقوقه الوظيفية مقابل الأعمال التي يقوم بها؛ فهو يعد بمثابة الوعاء أو الحيز أو الصندوق الذي يؤدي فيه كل ذلك؛ فوقت الدوام هو صندوق العمل. فكم يكون الموقف صعباً عندما يحضر المراجع حيث توجد معاملته ولا يجد الموظف الذي توجد لديه المعاملة، إما بسبب عدم حضوره للعمل بعد، أو أنه حضر ولكنه خرج لمصلحة خاصة به، كما أنه كم يكون الموقف حرجاً عندما يحضر الموظف ذو المسؤوليات المحدودة والمرتبة الصغيرة ورئيسه أو مديره العام لم يحضر بعد.
نعم، الموظف، سواء في القطاع الحكومي أو الأهلي، من ضمن البشر فيحصل له ظروف خاصة قد تؤدي إلى تأخره أو خروجه خلال وقت الدوام أو قبل نهايته، ولكن ينبغي أن يحرص الموظف عندما يحصل له ذلك على ما يلي:
* أن لا يكون هذا التصرف من الموظف متكرراً، بل ينبغي أن يكون محصوراً ومحدوداً في الحالات التي لا يجد الموظف بديلاً عنه للخروج بسببها.
* أن يكون تأخر الموظف عن الحضور، سواء في بداية وقت الدوام أو خروجه خلاله أو انصرافه قبل موعد نهايته، في حدود الوقت الضروري اللازم لحاجته، أو الغرض الذي تأخر أو انصرف عن وقت الدوام من أجله؛ فمثلاً إذا كان الوقت اللازم لقضاء السبب الذي من أجله خرج الموظف من مقر عمله يستغرق ساعة واحدة فينبغي منه أن يلتزم بذلك ولا يزيد عليه؛ إذ إن بعض الموظفين يخرج لقضاء غرض له يستغرق قضاؤه مثلاً ساعة واحدة ولا يعود إلا بعد ساعتين أو ثلاث ساعات.
* أن يكون تأخر الموظف عن وقت الدوام أو خروجه خلاله أو انصرافه قبل نهايته بموافقة من رئيسه المباشر أو صاحب الصلاحية في جهة العمل الذي يسمح عادة للموظفين بالخروج.
إن الالتزام بوقت الدوام من أهم الواجبات الوظيفية، وقد أكدت على ذلك الأنظمة واللوائح الوظيفية كنظام الخدمة المدنية بالنسبة لموظفي الأجهزة الحكومية ونظام العمل بالنسبة لموظفي وعمال القطاع الخاص، كما سبق أن صدرت تعليمات سامية كريمة تعتبر الالتزام بالدوام من قبل الموظفين من علامات كفاءتهم وجدارتهم؛ مما يؤدي إلى الاستفادة من المزايا الوظيفية كالترقية والتدريب والابتعاث والانتداب والإعارة ونحو ذلك، وهو ما يتطلب من الموظفين ورؤسائهم الاهتمام بهذا العنصر المهم في مجال العمل، وهو المحافظة على وقت الدوام وعليهم أن يحرصوا على ذلك كحرصهم أو أكثر على مواعيدهم وارتباطاتهم الخاصة؛ ذلك أن بعضنا عندما يكون له موعد مع طبيب أو حتى موعد لحضور مناسبة اجتماعية تجده يبادر بالحضور قبل الموعد مع أن الحرص على المحافظة على وقت الدوام يتعلق بالمصلحة العامة وهو أولى وأهم؛ لأن التقيد بوقت الدوام الرسمي والمحافظة يؤدي إلى الآتي:
- إنجاز الأعمال الموجودة لدى كل موظف في وقتها وعدم تأخيرها عن ذلك.
- حصول الدقة والأمانة والإخلاص في أداء الأعمال؛ لأنه عندما يكون لدى الموظف الوقت الكافي سيترتب عليه إخلاصه فيب العمل ودقته في أدائه.
- استقبال المراجعين في الوقت المحدد وإنجاز مطالبهم.
- يكون لدى الموظف المتسع من الوقت لمراجعة الأنظمة والتعليمات ذات العلاقة بعمله.
إن هناك أسباباً تؤدي إلى عدم اهتمام بعض الموظفين بوقت الدوام وينبغي على جهات العمل معالجتها، ومنها:
- عدم الشعور بالمسؤولية الملقاة على عاتق الموظف وإن كان يدرك أن مهام وظيفته تتعلق بحقوق ومصالح آخرين إلا أنه ليس لديه الحماس الكافي لإنجاز الأعمال في أوقاتها المحددة.
- عدم اهتمام رؤساء بعض الموظفين بمتابعة حضور موظفيهم للدوام أو أن هؤلاء الرؤساء واقعون في نفس المشكلة، فهم أيضاً يتأخرون عن وقت الدوام ويخرجون خلاله وينصرفون قبل موعد نهايته.
- عدم وجود أعمال لدى بعض الموظفين تستدعي منهم الانضباط الكامل في الدوام وهذه مسؤولية جهات العمل التي ينبغي منها توزيع الوظائف والأعمال والموظفين بحسب حاجة القطاعات والإدارات وعدد الموظفين؛ ولذلك فإن على جهة العمل أن تحرص على ألا يكون هناك موظفون مضغوطون ومزدحمون بالأعمال في حين يؤجد موظفون آخرون ليس لديهم أعمال أو أعمالهم قليلة.
إن واجب الالتزام بوقت الدوام أمر ضروري ومهم لإنجاز الأعمال وخدمة الصالح العام، وعلى الموظفين ورؤسائهم الاهتمام به، فالموظف مطلوب منه:
- استشعار أهمية هذا الامر وأنه من أهم الواجبات الوظيفية، وأن انضباطه يخدم مصلحة العمل والمصلحة العامة ومصلحة إخوانه المواطنين.
- إن على الموظف أن يدرك أن الراتب والمزايا المالية التي تصرف له هي مقابل قيامه بعمله بالدقة والإخلاص والانضباط وهذا لا يتحقق إلا بالانضباط في وقت الدوام والمحافظة عليه.
أما جهة عمل الموظف فإن مسؤوليتها فيما يتعلق بالالتزام بوقت الدوام مهمة ومتعددة، منها:
- وضع بيانات لتوقيع الموظفين عند الحضور للدوام وعند الانصراف منه، وان يتم تحديد وقت لا يزيد على نصف ساعة من موعد بداية الدوام لقفل بيانات التوقيع، وعلى الموظفين الذين يحضرون بعد ذلك أن يقوموا بتحديد موعد حضورهم بالساعة والدقيقة بحسب التعليمات النظامية الصادرة في هذا الصدد.
- إذا تجمع لدى كل موظف سبع ساعات بسبب تأخره عن الدوام أو خروجه بدون إذن أو انصرافه قبل نهاية موعد الدوام، فإنه يكون في حكم المتغيب يوماً كاملاً، مما يتطلب الرفع بالحسم عليه راتب يوم واحد، وإذا بلغت ساعات التأخر أربع عشرة ساعة فإنه يكون في حكم المتغيب لمدة يومين؛ مما يتطلب حسم يومين من راتبه وهكذا.
- على الرؤساء والمشرفين في جهة العمل أن يكونوا أسوة حسنة لموظفيهم في الانضباط في وقت الدوام، لأن موقف المدير العام أو مدير الإدارة أو رئيس القسم سيكون ضعيفاً جداً عند مناقشة بعض موظفيه في موضوع عدم انضباطهم في الدوام إذا كان هو أيضاً غير منضبط في هذا الشأن.
وأخيراً.. فإن ما نود الإشارة إليه فيما يتعلق بهذا الموضوع أن المحافظة على وقت الدوام، حضوراً وتواجداً وانصرافاً، هي جزء من الولاء لوطننا الغالي، فينبغي علينا جميعاً أن نستثمر كل دقيقة وكل ساعة من وقت الدوام في سبيل خدمة بلادنا الغالية من أجل الوصول بها إلى مستويات أفضل من التقدم والنجاح والمكانة اللائقة بها.