تأليف - قاسم بن خلف الرويس - تعريف: محمد بن ناصر العبودي
الأستاذ المؤلف قاسم بن خلف الرويس أديب ناقد، بل أكثر من عرفت من النقاد جرأة على النقد، بمعنى بيان ما يعتقده في الكتاب الذي يقرأه بخاصة إذا كان موضوعه موضوع البادية أو ما يتعلق بها مما عرفه المؤلف، بل خبره بنفسه معرفة معايشة وممارسة.
وكتابه الذي نقدمه الآن عنوانه: (المسبار: نظرات في بعض كتب التاريخ والقبائل والأدب الشعبي).
هو كتاب نقد وملاحظات على بعض الكتب، وهذا ما تشير إليه تسمية المؤلف لكتابه بالمسبار، فالمسبار من سبر الشيء إذا ذهب لاختباره ومعرفته على حقيقته، وهي كلمة عربية فصيحة لا تزال مستعملة في العامية، ومنها قول أهل البادية لمن يرسلونه متخفياً ينظر في حالة الأعداء (سبَّار) فيقولون مثلاً: سبرهم السَّبَّار ولقاهم كذا.إن الأستاذ قاسم بن خلف الرويس ناقد حصيف وأكثر ما يكتبه في النقد، وهذا مجال قل رواده فضلاً عن محترفيه، فالنقد عندنا الآن في حالة تقهقر مؤسف مع أهميته العظيمة في تمحيص السليم من السقيم من الكتب.
ففي ناحية واحدة من حاجتنا للنقد البناء نجد أن بعض المتمعلمين يعمد إلى قصائد من الشعر العامي مطبوعة محرفة أو حتى غير محرفة فيطبعها من دون أن يصحح ما فيها من الأخطاء، بل من دون أن يشير إلى تلك الأخطاء، والأدهى من ذلك أنه يزيدها أخطاء عن طريق إهمال تصحيحها، عند طبعها طبعة جديدة، فلا نجد من يتصدى لعمله.
أما الأدب العام، بل التأليف الأعم فإن ميدان النقد العام فيه يكاد يكون خالياً، لذا كثر أدعياء التأليف، وإن لم يكونوا مؤلفين إلا من الناحية اللغوية التي تعنى بالمؤلف بفتح اللام أن يكون متألفاً من كلام فحسب دون النظر إلى قيمة ذلك الكلام ونصيبه من الصحة.
لقد حفل كتاب أخينا الناقد المقدام (قاسم بن خلف الرويس) بنقد كتب عديدة، بل إنه كله كذلك، فقد تكلم على 18 كتاباً، هي:
- من أحاديث السمر للشيخ عبدالله بن خميس.
- من أخبار القبائل في نجد، تأليف فائز بن موسى البدراني.
- عتيبة: النزول إلى نجد، والاستقرار فيها للأستاذ محمد بن ناصر أبو حمرا.
- المسافة بين تاريخ الوطن وتاريخ العفيصان.
- فاسيليف وتاريخ العربية السعودية.
- قراءة في كتاب (الأمير محمد الفيصل يتذكر) تسجيل وإعداد خالد محمد باطرفي.
- سليمان بن صالح الدخيل صحفياً ومفكراً ومؤرخاً، تأليف الأستاذ محمد بن عبدالرزاق القشعمي.
- أوراق من ذاكرة التاريخ لعبدي صياح الأطرش.
- عبدالله الطريقي: صخور النفط، ورمال السياسة، تأليف محمد بن عبدالله السيف.
- البحث عن أعراب نجد وما يتعلق بهم لسيلمان بن صالح الدخيل.
- البادية النجدية، تأليف محمد بن ناصر أبو حمرا.
- كلمات قضت، لكاتب هذه الكلمات محمد بن ناصر العبودي.
- موسوعة الشعر النبطي الشعبي، تأليف صالح الحنيطي.
- المصور البدوي، تأليف إبراهيم الخالدي.
- القضاء بين البدو، تأليف عارف العارف.
- المعلقات النبطية، تأليف إبراهيم بن حامد الخالدي.
- بيت السكن: أدب، لغة، تاريخ، تأليف سعد بن عبدالله بن جنيدل .
وهذه - كما نرى - باقة نضرة من المؤلفات بالنسبة إلى موضوعاتها ومحتوياتها لو لم يلتفت الأستاذ الناقد قاسم الرويس إليها فيمحص ما فيها، ويدل على ما قد كان فيها من أخطاء لبقي ذلك من المسلمات، لأنها تعد من المراجع مع تقادم الزمن.
ولكن الأستاذ قاسم الرويس جزاه الله خيراً نبه إلى ما فيها مما يراه أخطاء أو غير مناسب وحفظ للتاريخ بياناً بالجيد وغيره من محتوياتها.
ولاشك أن نقده لهذه الكتب سيجعل المؤلفين الذين يؤلفون في هذه الموضوعات، وحتى في غيرها يحسبون حساباً للنقد فلا يثبتون في كتبهم إلا ما تيقنوه صواباً أو حسبوه كذلك.
وبذلك يكون الأستاذ قاسم بن خلف الرويس قد أسدى للأدب والتاريخ يداً تذكر فتشكر.
والذي كنت أتمناه على أخينا الأستاذ قاسم أنه كان قد احتفى بما فيها من صواب بأن قرضه وأيده مثلما نبه على ما فيها من خطأ أو سهو وفنّده، وأن يفعل مثل ذلك في نقده القادم للكتب ومؤلفيها.
أولى الفقرات:
أولى الفقرات هي مناقشة بعض ما جاء في كتاب: (من أحاديث السمر) للأستاذ الشيخ عبدالله بن خميس، وذكر الناقد أن الشيخ عبدالله بن خميس قد اعترف بأن الراوية منديل الفهيد - رحمه الله - قد أطلعه على مجموعات أوراقه وأنه استفاد منها ولكن الناقد يذكر أن بعض القصائد نسبت في كتاب ابن خميس إلى غير قائلها وهو الراوي منديل الفهيد حسبما ذكره ذكراً إجمالياً.
ولكن أطول نقد وأوسعه حظي به كتاب الأستاذ محمد بن ناصر أبو حمرا (عتيبة: النزول إلى نجد والاستقرار فيها) فقد استغرق نقد هذا الكتاب 54 صفحة إذ قال الأستاذ قاسم الرويس (ص 29):
(اطلعت على كتاب الأستاذ محمد بن ناصر أبو حمرا (عتيبة النزول إلى نجد والاستقرار فيها: منازلهم، هجرهم، أعلامهم)، وكنت أتوقع فيه مرجعاً تاريخياً موثقاً لهذه القبيلة العزيزة، ولكني فوجئت لأول وهلة بأسلوب الكتاب الروائي الركيك ولغته السردية الباهتة، وهما على ما فيهما إلا أنهما أهون ما وجدنا من إشكاليات في الكتاب بعد قراءته بتمعن، فهناك ملاحظات علمية موثقة تتمثل في أخطاء كبيرة في ثنايا الكتاب، سواء في المنهج أو في المعلومات أو في الأسلوب، وهناك مغالطات تاريخية واضحة إضافة إلى سقطات في الاستقراء والتوثيق، ونظراً لكثرة هذه الملاحظات ارتأيت تقسيمها على سبعة عناصر رئيسية، يندرج تحت كل عنصر ما نراه مناسباً له من الملاحظات، متجنباً الحديث عن أسلوب الكتاب ولغته، ورغم ذلك فلم أستطع استقصاء جميع الأخطاء، وكتاب يحتوي كل هذا الكم من الأخطاء يجدر بمؤلفه أن يعيد النظر فيه مرات ومرات، وطالما أن المؤلف أصدر كتابه لكي يقرأه الناس فمن الواجب عليه تقبل الملاحظات حول كتابه بصدر رحب، وما هدفنا من المشاركة في التعقيب والاستدراك إلا تلافي الأخطاء لأن المنتج الفكري لا يدفع إلا بالفكر وحده، وها نحن نقدم هذه الملاحظات ودافعنا البحث عن الحقيقة، لأنه ليس لنا من أهداف نرمي إليها غير ذلك).
كما قال في نهاية نقده ما يلي (ص 85): (وأخيراً.. بعد عرض كل هذه الملاحظات المنهجية والأخطاء الجوهرية والاستدراكات المعلوماتية والتوثيقية، قد يرى القارئ أن نقدي للكتاب يفترض تطبيق معايير دقيقة وصارمة في التأليف غير موجودة في كل ما ينشر، والحقيقة أن الكتاب رغم أني تجاوزت عن كثير من الملاحظات الأخرى سيجد كل منصف أنه يفتقد للمنهج العلمي، ويخالف أصول البحث والتأليف، في حين أنه يجب على كل من يتصدى للتأليف عموماً وفي التاريخ خصوصاً أن يلتزم منهجاً واضحاً ويتحرى الدقة والموضوعية ولو كان المؤلف من أنصاف المتعلمين لوجدنا له العذر، ولكنه يحمل مؤهلات عالية درس من خلالها طرق البحث العلمي والتي لا تخفى عليه، فكيف يمكن أن نقبل منه مثل هذا العمل؟! فالأستاذ محمد بن ناصر أبو حمرا بهذه الطريقة يؤكد أن البحث التاريخي ليس من ميادين قلمه الجريء رغم كونه كاتباً متميزاً وروائياً رائعاً). انتهى.
وهذا يدل على احتفاء الأستاذ قاسم بهذا الكتاب وأهميته لديه، لاسيما أن المؤلف كالناقد كلاهما من أهل البادية، والحديث يتناول قبيلة عتيبة التي ينتسب إليها الطرفان.
وقد دلنا ذلك على أن الأستاذ قاسم بن خلف الرويس رجل منصف لا تمنعه القرابة أو المشاركة في القبيلة من أن يقول الحق في كتاب يتحدث عن القبيلة.
وعلى وجه العموم فإن كتاب الأستاذ (قاسم الرويس) كتاب أدب ونقد وتمحيص للنصوص دل على غيرته على تاريخ أمته، ودل أيضاً في الوقت نفسه على سعة اطلاعه وطول باعه في هذه الموضوعات.
ونحن إذ نعرف القراء الكرام بهذا الكتاب نرجو أن يطلعوا عليه، وأن يشكروا للمؤلف جرأته وإقدامه على النقد، ودقته في ذلك.
هذا، وقد طبع الكتاب في لبنان وهو من نشر (بيان للنشر والتوزيع والإعلام) وبلغت صفحاته 205.
ونرجو - جميعنا - منه أن يتحف مكتبتنا الوطنية بمثل هذا الكتاب من النقد العميق الهادف والله ولي التوفيق.
محمد بن ناصر العبودي