مع فداحة الخطب، وهول المفاجأة بالحادث الجلل الذي مثله العمل الجبان في محاولة الاعتداء على صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز مساعد وزارة الداخلية للشؤون الأمنية، إلا أن اندهاش العالم بما تكشف من نبل أخلاق سموه وتواضعه ولينه، كان أكبر من اندهاشه بهذه المحاولة الموغلة في الدناءة، لقد انبهر العام والخاص بوضوح الأمير وعطفه وكرمه مع فئة خرجت على ولاة الأمر، ورفعت لواء الفتنة في بلد الخير وقبلة المسلمين، ونشرت الرعب والموت والدمار داخل الوطن وخارجه، فكانت أصداء هذا أكبر من أصداء الحادث نفسه .. فأظهر الله ما كنا في حاجة إلى إظهاره، مما يسرّ الصديق ويغيظ الحاقد والحاسد:
|
|
|
لقد كشفت هذه الحادثة بالصوت والصورة للعالم أصالة هذا الأمير وسلامة منهج القيادة السعودية، وهو منهج رسخه المؤسس وسار عليه أبناؤه وأحفاده، لقد ذكرنا كلام الأمير ومنهجه القائم على الحزم والتسامح بكلام جده عبد العزيز. ولعلّي هنا أنقل لمحة موثقة تدل على ذلك النهج، وهي أنه عندما أحس من بعض المتشددين ما يدعو للريبة، بعد أن أطفأ الله فتنة الإخوان بخمس سنوات، فكان أن وقف موقفاً شجاعًا يجمع بين اللين والصلابة، والتسامح والحزم، يصور ذلك ما جاء في إحدى رسائله المؤرخة في سنة 1352هـ، بلغة مبسطة وعبارات غير متكلفة، ونقتطف منها:
|
( ... ما هو بخافيكم بما كافأنا به بعضكم من الشر، وقضى الله قضاءه، والحمد لله على إرادته، بعد ذلك عاملنا السيئ بإحسان، ونبرأ إلى الله أن نضمر المسلم أو لأحد واثق بالله ثم بناء شرًا؛ إلا ندعوه للخير ونحكم فيه الشريعة، ونعلمه أمر دينه، وأشوف تالي ها الوقت صاير عند بعضكم خريبيطات ما لها سنع .. أما الولاية وبلدانها وأرضها فهي لله ثم لي، وأنا بحول الله وقوته ما أمشي إلا فيما أرى أنه صالح للإسلام والمسلمين، والليالي ولدتنا أولادها، وعرفنا كيف حالتهم، فبحول الله أن المحسن سواء أنه محسن سابقاً ولاحقاً، أو أنه مسيء ثم تاب وأحسن أمره أن نعامله بما يرضي الله ويحفظ دينه وشرفه، وأن المسيء نحكّم فيه الشريعة ونحن تبع لها .. فأنتم صار فيكم دسائس وهنهنات ما فيها فائدة، وربما جاءت من أحد اثنين: إما واحد سفيه ما يعقل شيئاً ولا عرف الدنيا؛ وإما واحد فيه بقية نفاق يتكلم بكلام حق يريد به باطلاً .. والبهرجة ما تنفع على الله ثم علينا)..
|
وهكذا نرى أوجه الشبه واضحة بين أخلاق الحفيد محمد بن نايف الذي تربى في مدرسة نايف بن عبد العزيز، وبين نهج المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن، الذي وهبه الله حنكة ورأيًا صائبًا استطاع من خلاله أن يبني هذا الكيان، وأن يعبر بالسفينة إلى شط النجاة والأمان رغم ما أحاط به من الخصوم والمكائد والأهوال، فكأنه يقول:
|
وما كنت ممن بالمنى أدرك المنى |
ولكن بأيام يشبن النواصيا |
هكذا كان حكامنا، وهكذا يسير خلفهم على خطى سلفهم، فلا غرابة في أن نرى الأمير الشاب بهذا الخلق الكريم وعلى هذا النهج القويم:
|
وما كان من مجد أتوه فإنما |
توارثه آباء آبائهم قبل |
يزداد البغاة حقداً، وتزداد قيادتنا حلماً، ويزدادون دناءة، ونزداد سمواً وارتفاعاً في الأخلاق وحسن التعامل، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء..
|
|