إنه يعني الوحدة والائتلاف في أرض الجزيرة العربية، كما أنه رمز للمحبة والبُعد عن النزعات القبلية والقناعة بأهمية التحاكم إلى شرع الله، والبُعد عن الأعراف، تحت قيادة موحدة، تحدد للأمة أمور دينهم ودنياهم، وتجمعهم تحت حكم الله، ورعاية تعاليم الإسلام وعدالته.
كما يعني التجمع بعد الفرقة، والوحدة ولمّ الشمل، والبدء بالتنظيم والتوسع في التعليم، والأخذ بأسبابه في شتى مناحيه والسير مع القيادة المخلصة التي حقق الله بها النصر بعد مسيرة تجاوزت ثلاثة عقود، تحت راية التوحيد التي حمل شعارها الملك عبدالعزيز - يرحمه الله - بصدق وأمانة؛ فأعانه الله في مسيرته، وجعل له المحبة في القلوب، وسوف نرجع مع الماضي في مصادر اهتمت بالحدث، ورصدته في حينه، نختار تاريخ خير الدين الزركلي، وتاريخ عبدالله الزامل، وهما عن سيرة الملك - يرحمه الله -؛ إذ في يوم 12 جمادى الأولى من عام 1351هـ (10-8-1932م)، وهو يوم تاريخي، اجتمع لفيف من كبار المواطنين في الطائف، يمثلون رغبة شعبية واتفقوا على أن يرفعوا للملك عبدالعزيز - يرحمه الله - (قراراً) هذا نصه:
الحمد لله وحده فإنه لما كان في هذا اليوم، اجتمع الموقعون أدناه للبحث والمذاكرة في أمر فيه عزة ومنعة وشرف وألفة ووضع قرار يرفعونه إلى سُدة حضرة صاحب الجلالة الملك عبدالعزيز آل سعود - نصره الله وأيد ملكه - ذلك أن الله سبحانه قد خص هذه البلاد، بين شقيقاتها الأقطار العربية؛ فكانت أشرف صقعاً، وأوسع رقعةً وأعز نفراً، وأظهر استقلالاً وسؤدداً، وأقدر على مواجهة الملمات والكوارث، وأسبق إلى الغايات والمصالح.
ووهب أهلها مزايا لم تكن لسواهم، فجاؤوا عنصراً واحداً عربياً في أصله، واحداً في عاداته وتقاليده، واحداً في دينه وإسلامه، واحداً في تاريخه، وعَنْعَنَاته، ففي البلاد بأجمعها ما يوحدها، ويجعلها وحدة عنصرية كاملة، ويجعل أهلها أمة واحدة، لا فرق بين مَن أتْهَمَ منهم ومَن أَنْجَدَ، ومَن أحْجَزَ ومَن أَيْمَن.
فلما كانت حال البلاد وأهلها كما مرّ، وكان لها هذا المقام الممتاز، بين سائر الأصقاع والأمصار، التي يقطنها العرب، وكانت أوضاعها الراهنة الحكومية لا تتلاءم مع طبيعة الوحدة التي هي وأهلها عليها، وكان اسمها الحاضر وهو (المملكة الحجازية النجدية وملحقاتها)، (فاصلة).
وهذا الاسم قد سبق هذه الرغبة؛ إذ كان إطلاقه في جمادى الآخرة من عام 1344هـ، حيث طلب الأهالي من الملك عبدالعزيز استبدال الاسم: ملك الحجاز وسلطان نجد وملحقاتها إلى اسم: (ملك الحجاز ونجد وملحقاتها).. هذا الاسم الذي مر أيضاً بمرحلة تغيير.
وقد رأى المجتمعون الذين مرَّ ذكرهم في الطائف، في قرارهم: أن كل ذلك لا يُعبر عن الوحدة العنصرية، والشعبية، والحكومية، الواجب إظهارها فيها، ولا يدل إلا على مسميات لأصقاع جغرافية، لبعض أقطار العرب، تقتصر على الإشارة الحقيقية الواقعة المشار إليها آنفاً، ولا يرمز إلى الأماني التي تختلج في صدور أبناء هذه الأمة، للاتحاد والائتلاف، بين جميع الناطقين بالضاد، على اختلاف أقطارهم وتباعد أمصارهم. ولما كانت الأوضاع الشكلية المشار إليها لا تدل على الروابط الصحيحة الكائنة بين أفراد السكان، ولا على التضامن في الحوادث، ولا على الارتباط الحقيقي بين شقي المملكة، تحت ظل جلالة الجالس على العرش، فإن المجتمعين يرفعون بكامل المودة، إلى سدتكم أمنيتهم الأكيدة، في أن يتكرّم بإصدار الإرادة السنية بالموافقة على تبديل اسم المملكة الحالي إلى اسم يكون أكثر انطباقاً على الحقيقة، وأوضح إشارة إلى الأماني المقبلة، وأبين في الإشادة بذكر مَن كان السبب، في هذا الاتحاد، والأصل في جمع الكلمة وحصول الوحدة وهو شخص جلالة الملك المفدى، وذلك بتحويل اسم (المملكة الحجازية النجدية وملحقاتها) إلى اسم (المملكة العربية السعودية) الذي يدل على البلاد التي يقطنها العرب، ممن وفق الله جلالة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، إلى توحيد شملهم وضم شعثهم: (المملكة العربية السعودية)؛ فكان اسماً مناسباً.
هذا ولما كان الاستقرار والديمومة والثبات، من الشروط الأساسية التي تستهدفها الأمم في حياتها: السياسية والاجتماعية، والتي لا أمل بمواجهة صروف الحدثين وكوارث الدهر إلا بها، والتي لا تقوم لبلاد ولا لأمة بدونها قائمة، كما هو مشاهد في تاريخ الأمم والحكومات والدول التي أهملت هذا الأمر الخطير، وما آلت إليه من سوء المنقلب والمصير، فإن المجتمعين - وعددهم حسب سرد أسمائهم - يتقدمون إلى صاحب الجلالة الجالس على العرش - أطال الله بقاءه وأمد في حياته - باستعطاف آخر؛ أن يتفضل بإصدار الأمر الكريم، بالموافقة على سن نظام خاص بالحكم وتوارث العرش، لكي يعلم الجميع من صديق وعدو وقريب وبعيد أن هذا المُلك موطد الأركان ثابت الدعائم لا تزعزعه العواطف ولا تثني عُودَه الأيام.
وجلالته: أول من يقدر أهمية هذا الأمر الخطير، وفوائده العميمة، في داخل البلاد وخارجها، وتقوية مركزها الأدبي والمادي. والله نسأل أن يوفق جلالته إلى ما فيه الخير والصلاح. أ.هـ.
وقد استحسن الملك هذا الأمر بحيثياته فوافق، ولما أعلن جاءت برقيات من جهات مختلفة في معنى القرار الآنف ذكره، تؤيد فكرة توحيد أجزاء المملكة، وتسميتها باسم لا (إقليمية) فيه، ولا تفريق بين قطر وآخر، وكان ذلك ما يجول في نفس عبدالعزيز - كما قال الزركلي في تاريخه - وعلى أثر ذلك صدر الأمر الملكي (بنظام توحيد المملكة) بمواده الثماني، الذي صدر في قصر جلالته بالرياض.. في اليوم السابع عشر من جمادى الأولى عام 1351هـ بتوقيع جلالته، وبأمر نائبه فيصل. وقد نصت المادة الثامنة على: أننا نختار يوم الخميس 21 جمادى الأولى عام 1351هـ الموافق لليوم الأول من الميزان، يوماً لإعلان توحيد هذه المملكة العربية، ونسأل الله التوفيق. وقد أوردت هذا بنصه موثقاً لكثرة الجهل به.
وشهر جمادى الأولى من الأشهر القمرية، والميزان من الأشهر الشمسية، وهو الأقرب للشهور الأفرنجية المتفق عليها في معظم دول العالم - إن لم يكن كلها - وواحد الميزان الذي هو من تسميات الشهور الشمسية، عند العرب قديماً، حيث يستفيدون منه، في أمور كثيرة من حياتهم: فلكياً وزراعياً وغير ذلك، بحسب فصول السنة، والمواسم فيها.
فكان واحد الميزان من كل عام يوافق 23 سبتمبر الشهر التاسع من الشهور الأفرنجية، وقد أصدر الملك عبدالعزيز - يرحمه الله -، بعد ذلك أمراً بوضع نظام لتوارث العرش بعده؛ فاتفق مجلسا الوكلاء والشورى، وأبرما قراراً في 16 المحرم عام 1352هـ (الموافق 11-5-1933م)، بمبايعة كبير أبناء الملك - الأمير سعود - ولياً للعهد.
وبهذه المناسبة أبرق الملك - يرحمه الله - إلى ولي عهده برقم 275 تاريخ 18 المحرم 1352هـ، يوصيه بأمور عديدة: فيما يتعلق بأمور المسلمين، والجد والاجتهاد في النظر في شؤون الذي سيوليك الله سبحانه أمرهم بالنصح: سراً وعلانية، والعدل في المحب والمبغض، وتحكيم شريعة الله في الدقيق والجليل والقيام بخدمتها، مع وصيته بالعلماء.. وهي رسالة قيمة سار عليها أبناء عبدالعزيز في أعمالهم.
وقد توالت بعد ذلك الأنظمة العديدة التي تسير الأعمال في الشؤون كلها، وفتح الله الخير الذي وُجه لمصلحة البلاد والعباد بعدما أخرجت الأرض كنوزها.
أولى الزيارات في المسجد النبوي
جاء في كتاب (المدينة فضائل وأحكام) للدكتور يوسف بن ردة الحسنيّ: إن أبا هريرة سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (لو زيد في هذا المسجد ما زيد لكان الكل مسجدي) وفي رواية: (لو بني هذا المسجد إلى صنعاء كان مسجدي)، وعمر - رضي الله عنه - كان يقول: (لو مُدّ مسجد رسول الله إلى ذي الحليفة لكان منه).
وعندما مات رسول الله لم يزد أبو بكر في المسجد شيئاً لاشتغاله بحروب الردة والفتوحات، فلما ولي عمر قال: إني أريد الزيادة في المسجد، ولولا أني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (ينبغي أن يزاد في المسجد) ما زدت فيه شيئاً.
وروى عبدالله بن عمر: أن المسجد كان على عهد النبي مبنياً باللبن، وسقفه الجريد، وعمده خشب النّخل، فلم يزد فيه أبو بكر شيئاً، وزاد عمر فيه - رضي الله عنهما - وبناه على بنائه في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - باللبن والجريد وأعاد عمده خشباً.
وجاء عن ابن خباب: أن رسول الله قال يوماً وهو في مصلاه: (لو زدنا في مسجدنا)، وأشار بيده إلى القبلة، فلما توفي - عليه الصلاة والسلام - أجلسوا رجلاً في موضع مصلى النبي، ثم رفعوا يده وخفضوها؛ حتى رأوا أن ذلك نحو ما رأوا النبي عليه السلام رفع يده وخفضها، ثم مدها ووضعوا طرفه بيد الرجل ثم مدّوه، فلم يزالوا يقدمونه ويؤخرونه، حتى رأوا أن ذلك شبيه بما أشار رسول الله - عليه الصلاة والسلام - من الزيادة؛ فقدم عمر القبلة، فكان موضع جدار عمر في موضع عيدان المقصورة. قال أهل السير: كان بين المنبر وبين الجدار الذي كان على عهد رسول الله، بقدر ما تمرّ شاة، فأخذ عمر إلى موضع المقصورة اليوم وزاد فيه في يمين القبلة، فصار طوله أربعين ومئة ذراع وسقفه جريد ذراعان، وعرضه عشرون ومئة ذراع، وبُني فوق ظهر المسجد سترة ثلاثة أذرع، وبُني أساسه بالحجارة، إلى أن بلغ قامة، وجعل له ستة أبواب: بابين عن يمين القبلة، وبابين عن يسارها، ولم يغير باب عاتكة، ولا الباب الذي كان يدخل منه النبي - صلى الله عليه وسلم -، وفتح باباً عند دار مروان بن الحكم، وفتح بابين في مؤخرة المسجد (ص 14، الفصل التاسع).
ثم جاءت التوسعة العملاقة للحرمين الشريفين التي كانت هاجس كل واحد من الحكام آل سعود؛ فكانت مفخرة إسلامية، فوق تصورات البشر، وسهلت لأعداد كبيرة جداً من البشر تقدر بالملايين، الوصول عمرةً وحجاً للحرمين، على مدار السنة، ويُسِّرت السبل، ووفرت الخدمات لراحة الوافدين المتعبدين.
وكان الملك عبدالعزيز أول من ألغى الرسوم التي تؤخذ على الحجاج، وسار على هذا أبناؤه من بعده، بل كل واحد منهم يقدم خدمة جديدة للمسلمين الوافدين على الحرمين الشريفين، رغبة فيما عند الله بما يقدمونه لهم وحتى الآن.