الجزيرة - عبدالله البراك
استهل القطاع المصرفي أعماله في بداية العام بتقرير صادر من قبل صندوق النقد الدولي يميل إلى التشاؤم المفرط الذي استعرض التوقعات للفترة القادمة، وجاء فيه توقعات بانخفاض النمو العالمي إلى 0.5 في المائة في عام 2009م، الذي يعد أدنى معدل نمو اقتصادي منذ الحرب العالمية الثانية. وبيّن التقرير انه لا يمكن حدوث انتعاش اقتصادي مستدام ما لم يستعد القطاع المالي وظيفته وتنفرج أسواق الائتمان.
وذكر التقرير الذي نقلته مؤسسة النقد العربي السعودي على موقعها على الشبكة العنكبوتية أن أوضاع الأسواق المالية ظلت صعبة للغاية لفترة أطول مما كان متصوراً في أحدث توقعات آفاق الاقتصاد العالمي لشهر نوفمبر 2008م. وانخفض الإنتاج العالمي والتجارة العالمية بشكل حاد في الأشهر الأخيرة من عام 2008م.
وفي ظل هذه الخلفية غير المستقرة، يُتوقع الآن انكماش الناتج في الاقتصادات المتقدمة بنسبة 2 في المائة في عام 2009م. ويُتوقع تباطؤ النمو في الاقتصادات الناشئة والنامية بصفة حادة من 6.25 في المائة في عام 2008م إلى 3.25 في المائة في عام 2009م.
وأدى التراجع في الطلب العالمي إلى انهيار أسعار السلع الأساسية. وأدى تباطؤ النشاط الحقيقي وانخفاض أسعار السلع الأساسية إلى كبح ضغوط التضخم. ولازالت مخاطر الهبوط مهيمنة، حيث إن حجم ونطاق الأزمة المالية الراهنة وجها الاقتصاد العالمي إلى اتجاهات مجهولة. وفي ظل الظروف الحالية، يجب أن توفر سياسات المالية العامة التوسعية التي تبناها عدد من الاقتصادات المتقدمة والناشئة دعماً رئيساً للنمو العالمي.
توظيف السياسة النقدية في معالجة الأزمة
ولكننا في المملكة العربية السعودية وبقيادة خادم الحرمين الشريفين استطاعت المملكة من التعامل مع هذه الأزمة بكل حنكة وخبرة اقتصادية، حيث تعاملت مع الأزمة على أكثر من جبهة فعلى صعيد السياسة النقدية نجدها اتخذت خمسة إجراءات رئيسية: الأول خفضت معدل إعادة الشراء من مستويات 5.5% في منتصف العام 2008 م إلى 2% في شهر أبريل من العام 2009، كما خفضت معدل إعادة الشراء المعاكس من 2% إلى 0.5% ومع هذين الإجراءين انخفض معدل الفائدة بين المصارف التجارية, أما الإجراء الثاني فقد خفضت نسبة الاحتياطي الإلزامي على الودائع تحت الطلب من مستويات 13% إلى 7% مما جنب المصارف السعودية الوقوع في أزمة السيولة العالمية, أما الإجراء الثالث فكان عن طريق ربط ودائع زمنية لمدد طويلة نسبيا نيابة عن الهيئات والمؤسسات الحكومية مع المصارف في المملكة, وكان الإجراء الرابع إجراء مقايضة للنقد الأجنبي مع المصارف المحلية لتوفير السيولة بالدولار الأمريكي لتلبية طلب النظام المصرفي على النقد الأجنبي, وجاء الإجراء الخامس بتخفيض تسعيرة أذونات الخزينة خلال الربع الرابع من العام 2008م بخمسين نقطة أساس عن معدل فائدة الإقراض بين المصارف، إضافة إلى خفض سقف قبول استثمارات المصارف في تلك الاذونات بحد أقصى ثلاثة مليارات ريال أسبوعيا؛ وكان الهدف من الإجراء هذا هو تحفيز البنوك على إقراض عملائها من أفراد وشركات.
إجراءات السياسة المالية خلال الأزمة
أما الإجراءات التي قامت بها من خلال السياسة المالية فنجد المملكة قامت بعدة إجراءات، منها الإعلان عن استعداد المملكة لإنفاق ما يقارب 400 مليار دولار لبرنامج الاستثمار في القطاعين الحكومي والنفطي من خلال الإنفاق على مشروعات الخدمات الأساسية لتعزيز القدرة الاستيعابية للاقتصاد الوطني خلال الخمس سنوات القادمة، وكذلك استمرار التوسع في الإنفاق بعد إقرار ميزانية العام 2009م حيث قدرت المصروفات بما يقارب 475 مليار ريال وذلك من أجل تشجيع الطلب المحلي وزيادة الطاقة الاستيعابية للاقتصاد، كما أن ميزانية العام 2009م قد تضمنت اعتماد مشروعات إضافية بقيمة 225 مليار ريال وبزيادة تقارب 36% عن مخصصات السنوات الماضية لمشروعات البنية التحتية والتوسع في المشروعات القائمة، كما ارتفعت مخصصات ميزانية التعليم والصحة والخدمات الاجتماعية، حيث تم اعتماد مبالغ إضافية لإنشاء مدارس ومستشفيات وجامعات وبلغ المعتمد لتطوير الموارد البشرية في ميزانية 2009م ما نسبته 25,7% من إجمالي المصروفات المقدرة وتعد هذه الميزانية هي الأكبر في تاريخ المملكة.
كما عالجت السياسة المالية مؤسسات الإقراض المتخصصة من خلال تعزيز موارد صندوق التنمية العقارية بمبلغ 25 مليار ريال يوزع بالتساوي على خمس سنوات مالية اعتبار من العام المالي 2008م لمقابلة الطلب على قروض الإسكان. كما دعمت بنك التسليف بما يقارب العشرة مليارات ريال لتقديم قروض ميسرة لذوي الدخل المحدود في مجالات عدة منها القروض الاجتماعية والمهنية وقروض السيارات، كما تم تمكين البنك من دعم المنشآت الصغيرة والمتوسطة كذلك قام صندوق الاستثمارات العامة برفع سقف الإقراض الإجمالي من 30% إلى 40% من تكلفة الاستثمار في المشروعات ومدد فترة الاستحقاق من 15 الى 20 سنة وذلك من أجل تسهيل عملية تمويل المشروعات الاستراتيجية.
أعمال المجلس الاقتصادي الأعلى خلال الأزمة
كما رأس خادم الحرمين الشريفين اجتماع المجلس الاقتصادي الأعلى في شهر أكتوبر من العام 2008م ونوقش في هذا الاجتماع الأزمة المالية التي امتدت لتشمل مختلف دول العالم وتؤثر في وضع الائتمان والسيولة المالية وسلامة المصارف في تلك الدول. وقد اقر المجلس بعد ذلك عدة إجراءات وهي قيام مؤسسة النقد العربي السعودي بالاستمرار في متابعة المصارف السعودية والحرص على سلامتها وتوفير السيولة اللازمة لها عند الحاجة، كما تتابع القيود الموضوعة على توفير السيولة للمصارف وذلك بمزيد من التخفيض في نسبة الاحتياطي وخفض تكاليف التمويل إذا اقتضت الحاجة، وكذلك الاستمرار في ضمان سلامة المصارف والودائع المصرفية من قبل الحكومية ودعوة وزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية في دول مجلس التعاون الخليجي لتنسيق المواقف.