منح الله معالي الدكتور عبدالعزيز الخويطر قلماً سيّالاً، مفكراً مستنيراً، مع عطاء جيد، رغم مشاعله وكثرة ارتباطاته، فكان في عطائه الثقافي فائدة، يفتح نافذة معرفية، على صفحات من مسيرة البناء في مجتمعنا، حيث يجد القارئ وراءها بعداً في فكرنا وعاداتنا، وما يدور في بيئتنا من نظرات تستشرف المستقبل المشرق في تاريخ مسيرتنا.
نجد نموذج ذلك في كتابه (نزّ اليراع) الذي صدر عام 1429هـ في طبعته الأولى، بحجم متوسط في (332) صفحة عدا الفهارس حيث جاء في مقدمته البالغة (17) صفحة سياحة لغوية يتلمس فيها اسما يليق بهذا الكتاب، جائلاً بفكره في مسميات عديدة، عله يجد ما يربط أوراقه المتفرقة في ملفات عديدة لا رابط لها، ولا صلة بينهما، فتصورها تنظر إليه شاكية كأنها تقول له: إن لي عليك حقا، وأن عليك أن تجمع شتاتي، ورقاً على غصن، والغصن على شجرة، والشجرة في بسيتين يجمع شملنا، ويلم متفرقنا، ندفأ به في الشتاء، ونتطرّى به، في الصيف.
وبعد استعراضه لمسميات عديدة، آنس بهذا العنوان الجديد (نزّ اليراع) حيث برر في هذه المقدمة بالقول: إن القلم ينزّ على الأصابع شذوذاً، وينزّ على الورق أصلاً، ولعل هذا ما جعلني أختار هذا، رغم أن جلبابه واسع. ص(14).
وعما انطبق عليه منهجه في حسن الاختيار أورد (39) مادة، كل واحدة وراءها شخصية، ذات مكانة، يتكرر في بعضها الاسم، مع تنويع الموضوع، وقد ابتدأ بقيادات هذا البلد، وفي مقدمتهم باني نهضتها، وموحد شملها الملك عبدالعزيز يرحمه الله؛ حيث قال عنه:
لقد نجح بما يوحي توافر صفات فيه، استفاد منها لاقتناص الملائم من الظروف، وتسهيل غير الملائم وتطويعه. ورغم أن عصره عصراً صعباً، من الناحية السياسية والاقتصادية، فقد جعل عوامل نجاحه في أمور ثلاثة وهي باختصار:
1- صحة تقييمه للرجال، نتيجة دقة ملاحظته للصفات البارزة فيهم.
2- رجحان العقل عنده على العاطفة.
3- الحنان المتناهي للصديق، والوفاء في كل الأحوال والتخلق بالخلق الصادق (ص22 - 25).
وعن الملك خالد فقد سأل أحمد الدعجاني المؤلف (16) سؤالا، كرابطته بالملك خالد رحمه الله، ولرغبة الدعجاني التأليف عنه، مستعينا بالدكتور في ذلك.
فأجابه المؤلف بما ينبئ عن إدراكه لمكانة الملك خالد: بأن بعض الأسئلة متداخلة وسوف يحاول إعطاء زبدة، نجتزئ منها ما يناسب المميز المتاح؛ رغم أهمية تلك الإجابات، فهو في نظره: إنسان خارج نطاق العمل وداخله، تجد في تصرفه الإسلام الحق، بعفة اللسان، وحنوّ القلب، ومعاملة الناس بالحسنى، كما كانت عينه يقظة في مصلحة مواطنيه، ورفع العناء عنهم: وكان يهتم بالاستشارة كثيراً، ممن هم في مستوى الاستشارة في الأمور المهمة، وكان أعضاده في هذا إخوانه ووزراؤه، وكان لهم دور فعال في الوصول إلى النتائج التي جعلت من المملكة مكانتها المرموقة.
ويثني على مكانة الملك خالد الإسلامية، لقوة إيمانه بالله، فلا تهزه الأزمات، وشخصيته خلال المناسبات لا تتغير هي هي: وفي السياسة: فقد رضع ثدي سياسة الملك عبدالعزيز، الذي وضع الأسس لسير المملكة، ورسم خططها إذ كل تصرفاته رحمه الله إسلامية،
ومن هذا المنطلق كان عضوا مهما في المجالات العربية، وأصبح للمملكة دور في المحافظة على المكاسب العربية (ص34 - 41).
وأما عن الملك فهد، لقد جاء فيما أورده: بأن ما كتبه إنما هو استجابة لمجلة الدرعية، مفيدا بأنه رحمه الله بدأ حياته: بحرصه على جلسات والده الملك عبدالعزيز، في مجلسه المنتظم يوميا، ويستمع لما يدور فيه من أمور تخص البادية، أو الحاضرة داخلية كانت أو خارجية، وفي هذا المجلس يستمع لما يتخذ من قرارات، وما يتداولون فيه من آراء، ثم يعي ما يتبلور من أحكام. وفيه تعرف على الوجوه المهمة، ومقامها: حاضرا وماضيا، وموقعها من الدولة الفتية،
وهذه المجالس هي خير مدرسة للحياة؛ لأن ما يدور فيها خلاصة التجارب بما فيها ولمن يحضرها وقال: إن بروز الملك فهد في المحافل الدولية؛ التي حضرها كانت ذات مردود على المملكة، مما أوجد لها مكانة دافئة، خاصة بين الدول الإسلامية، ثم حلل دوره رحمه الله القيادي في شتى المرافق، وخاصة التعليم الذي تولى أول وزارة أنشئت فقد خطى التعليم بقيادته إلى الأمام خطوات ثابتة، وتقدم في مرافقه ومناهجه، ثم حلل دوره القيادي في شتى المرافق؛ ثم بعد أن أثنى على ريادته، وبعد نظره وما تم في عهده من إنجازات تنبئ عن اهتمامه بالتطوير قال: هذه لمحة سريعة تري بعض الجهد الذي بذله، خادم الحرمين الشريفين الملك فهد رحمه الله، من موقع مسؤوليته (42 - 47).
وعن سمو ولي العهد الأمير سلطان حفظه الله، أورد أربع كلمات: الأولى نشرت في الجزيرة يوم الأحد 2-7-1426هـ والثانية كتبت على أثر عودة سموه، من علاج ركبتيه بالسلامة، بناء على مكالمة من عبدالله المحيميد ونشرت في صحيفة البلاد في 23-7-1418هـ، وأما الثالثة فبعنوان: سلامة يُحمد الله عليها، كتبت على إثر خطاب من مدير التحرير لصحيفة عكاظ، في المنطقة الوسطى نشرت في 9-8-1418هـ، والرابعة بعنوان: يد حانية للمعاق، أرسلت في 29-5-1419هـ للدكتور عبدالعزيز المقوشي، مساعد مدير عام جمعية المعاقين، رداً على خطاب منه بتاريخ 14- 5-1419هـ.
وكل واحدة من هذه الكلمات، تشيد بمجهودات ومكانة سمو الأمير سلطان حفظه الله كل واحدة في موضوعها (48 - 58).
ولمكانة الشيخ حمد الجاسر رحمه الله، الذي سماه الأستاذ الكبير، لأنه يجله إذ يقول: تحتار وأنت تتحدث عن حمد الجاسر، فهو شيخ لإحاطته بعلوم الدين، والمناصب التي تولاها، وهو كبير بعلمه وكتبه التي ألفها، كما أنه والد لأنه يكن له من التقدير ما يليق به، ويحمل له من كل فرد في صدره محبة ومودة، ولأن من يدعوه بالشيخ أو الأستاذ، فهو محق في هذا كله، وإن من محبته والوفاء له، أن يسمى بما يرضيه: حمد الجاسر وحسب.
وقد كتب عنه مرتين: الأولى بمناسبة تولى تكريمه رحمه الله في 11-10-1416هـ، والثانية بعنوان أستاذنا حمد الجاسر: كتبت في 4-12- 1414هـ، بطلب من الأستاذ محمد رضا نصر الله (59-75)، كما كتب بعد وفاته.
والمؤلف من وفائه لشيوخه، والتذكير بمكانتهم في هذه الفرصة، إذ بدأ بأستاذه محمد حلمي الذي درسه الخط في مكة، حيث أشاد بخصاله الحميدة، فهو يجمع بين المهابة والتواضع، ونزاهة اللفظ، وحسن المعاملة، تلك الخصال التي تجلب الطالب إليه، وتحببه إلى معلمه، مما أعلى مقامه عند طلابه، وقد نشرت الكلمة التي قالها عن شيخه هذا بالجزيرة يوم السبت 5-11-1414هـ، وختم هذه الكلمة بذكر (22) أستاذا من مدرسيه، منهم شيخه محمد حلمي هذا، حيث يحمل لهم ذكريات، هي في قلوب طلابهم إشعاع يضيء الوجدان، وتوج تلك الذكريات بالترحم على من لقي ربه منهم، والدعاء بطول العمر على عمل صالح، لمن لا يزال على قيد الحياة، ومنهم في ذلك الوقت أستاذه محمد حلمي (76 - 81).
وكان من أساتذته، الذي حمل لهم الوفاء والثناء الطيب، على أعمالهم: عبدالله عبدالجبار، الذي كتب عنه كلمة عنون لها بقوله: أستاذنا الفاضل.. وذكر معه في كلمة مجموعة من أعضاء البعثة التي ذهبت إلى مصر، والتحقوا بدار العلوم.. كما بين مناصب بعضهم بعدما عادوا للبلاد متخرجين من مصر.
وأبان في كلمة منه كتبها في 27-1-1427هـ بطلب من حمزة فودة، قائلاً: منهم من عين بعد عودته مدرساً في القلعة بمكة، حيث تضم: المعهد العلمي السعودي، ومدرسة تحضير البعثات، وكما هي عادته في كتبه، لم ينس ما تخلل عمل أستاذه عبدالله عبدالجبار، من ذكريات تبهج النفوس، وتجدد ما طمسته الأيام، وخاصة مع أستاذه الكبير: عبدالله عبدالجبار ومكانته، وما يتميز به، وهذا من نماذج الوفاء، لمن يستحق الوفاء (82 - 87).
وهذه عادة حسنة في من له مكانة عنده، إذ لم يكتف بمقال واحد، بل أبرز في كتابه هذا مقالاً آخر عن أستاذه، كتب في 27-6-1419هـ، وقال عنه: عبدالله عبدالجبار عملاق في حسن الخلق، حدب على المحتاج، إلى العطف والمواساة، عالم محقق، متبصر مدقق، لم يسمع منه أحد في أحد إلا كلمة خير، من عرفه حق المعرفة أحبه، أبي لا يساوم على الخلق الكريم، والعادات الأصيلة، وقد أفاض في خصاله الحميدة وعلمه، وقال: وأمامي الآن كتابه: القيم التيارات الأدبية الحديثة في قلب الجزيرة العربية، وعليه إهداؤه الذي اعتبره وشاحاً من أب في العلم إلى ابن في طلب العلم، مؤرخ في 10-8- 1960م (88 - 95).
وتحت عنوان النية الطيبة التي نشرت باليمامة يوم 27-8-1418هـ بطلب من تركي السلمي بمناسبة معلم من المعالم المشعة، وهو يوم بيعة خادم الحرمين الشريفين، قبل ستة عشر عاماً: ملكا للمملكة العربية السعودية، أبرز فيها إنجازات تبهر الناظر، وتدهش المراقب، التي هي أكبر من زمنها، وأوفى من مدتها، والسبب الكامن وراء ذلك النية الطيبة، فقد أفاض في النتائج بهذه النية، في جميع المجالات، والتي تمت في عهد الملك فهد (96 - 102).
وعن الأستاذ خالد المالك رئيس تحرير الجزيرة، كتب عنه مقالاً: استجابة لطلب من أحد الإخوة الصحفيين أفاض فيه عن الصفات التي يراد تقويم شخص من الزوايا التي ينظر منها، إلى تخريج حكم عادل وإعطاء رأي صائب، فينظر إلى مدى نجاح المقوم في عمله، إذ أفاض في هذا الجانب بصفات عامة، يمكن أن يكون مقياساً يوزن بها عمل الإنسان، إذ بعد أن أنهى تلك الصفات الكثيرة، قال: لو نظرنا إلى هذه المقاييس، ووضعنا أخانا أبا بشار الأستاذ خالد المالك رئيس تحرير الجزيرة، في ميزانها لوجدناه ناجحا بكل هذه المقاييس، ومبرزا بكل هذه المعايير، فقراء الجزيرة كثر، ويزيدون مع الوقت لا ينقصون.. ونجد أيضا أن مستوى الجزيرة يتطور ويتقدم، ومستواها في سباق مع الزمن، وما يأتي به من أسباب حديثة، لتصيد الأخبار وبسرعة فائقة إلى آخر ما ألبس رئيس تحريرها، من ثياب الثناء، والعرفان بالدور الريادي الذي تحقق للصحيفة بإدارته، وحسن قيادته (130 - 138).
وهكذا لو سرنا مع معاليه في تلك الكلمات الموجزة بنفعها وفائدتها في هذا الكتاب، فإنها تحكي مناسبات مرت، ونتائج تحققت، موثقة بتواريخها وموضوعاتها، تفيد القارئ بأمور هي لبنات في صرح الوطن ترصد حقائق تكبر قيمتها مع الأيام، حيث بدأ الإنجاز مع الدور الحضاري للبلاد مع الأسس التي حرص عليها حامل لواء الوحدة لهذا الكيان في دولة متماسكة، يتعاون أبناؤها في الإفادة والتشييد كل في مجاله.