الحديث عن وباء ووبال المخدرات أمر لا ينقطع له سبيل ولا ينضب له معين في أي زمان أو مكان، وحدهم المستفيدون من المخدرات، مزارعين كانوا أو مصنّعين أو مروجين أو تجاراً أو حتى مدمنين، لا يعنيهم هذا الحديث في شيء، لأنه يتقاطع مع (مصالحهم)، ويتعارض مع أطماعهم!
ويتذكر الناس في هذا السياق كيف أن دولة آسيوية بائدة (غلبتها الروم) ذات يوم، فسحبت البساط من تحت أقدامها لتهوي في أتون الصراع متعدد الأطياف داخل أسوارها وخارجها، وكانت تدّعي (عذرية) المعتقد و(طهارة) السلوك، ورغم ذلك لم تجد حرجاً في التصريح علناً بأنها تزرع المخدرات على ترابها في النهار و(تروّجه) في الليل داخل دهاليز الضمائر الملوثة بطفيليات حب المال! ولم سُئل أحدُ رموزها عن ذلك التناقض، قال بلغة لا تنقصها الصراحة: نعم نحن نزرع المخدرات ونبيعها بحثاً عن المال، لكننا لا نصنعها ولا نستخدمها، بل ونردع استخدامها بكل وسيلة قمع داخل أراضينا!.
هل هناك لغة (أبلغ) تعبيراً من هذا التناقض المذهل؟!
اليوم أعودُ للحديث عن هذا الداء العضال فأقول إنه مهما تباعدت شعوب الأرض مسافةً.. أو اختلفت ديناً.. أو تباينت عرقاً.. أو تضاربت مصالح وغاياتٍ.. تظل رغم كل شيء، متحدةً حول أمر يجمعها عبر منظومة أخلاقية لا تقبل القسمة على اثنين، وهي الرفضُ القاطع لوباء المخدرات صناعةً وزراعةً وتجارةً وترويجاً واستخداماً!.
وليس غريباً والحال هذا القولُ بأن المخدرات أضحت همَّ شعوب وحكومات الأرض قاطبة، وغداً التصدِّي لها جهاداً مقدساً، وعبئاً تستقبله الضمائر الحية بشجاعة المحارب، وثبات المؤمن، وصمود الحليم!.
ومن يدري.. فقد يبلغ اهتمام الشعوب بهذه القضية حدّاً يجعلها تطالب الأمم المتحدة بعقد مُؤتمر تلو المؤتمر لبحث أوزارها، وسبل احتوائها، ردْعاً ووقاية!.
ولِمَ لا؟! فليست المخدرات أقلَّ شأناً من قضية تلوث البيئة التي أُفرد لها قبل سنوات مؤتمر عالمي حمل اسم (الأرض) ونفذ في إحدى دول أمريكا اللاتينية، أو قضية السكان والتنمية، التي استضافت القاهرة تظاهرة دولية باسمها قبل سنين أيضاً!.
ولعلّ من أدق خصوصيات ظاهرة المخدرات أنها تنمو داخل سراديب صدور مصابة بدرن المادية الرخيصة التي تلتمس الربح السريع بأيّ وسيلة أو ثمن، متنكرة لحرمات الدين، ومثاليات الخلق، وحقوق الإنسان! ولذا اقترنت المخدراتُ بالعنف المسلح.. وبالرذيلة.. وبكل وسائل السطو المادي والنفسي على الحرُمات، ما ظَهر منها وما بطن!.
ولهذا السبب أيضاً، أقامت معظم الشعوب متاريسَ قويةً لحماية أبنائها من هذا الوباء، وسنّتْ من النّظم والإجراءات ما رأتْه لازماً لردعه.
ولقد كانت بلادنا والحمد لله- رغم صغر حجم الرقعة الإحصائية للوباء مقارنةً بشعوب أخرى- كانت من أوائل دول العالم المتحضر مبادرةً لردْع وباء المخدرات، فطرحتْ عقوبة الإعدام لمن يعبث (بقنبلة) المخدر.. ليفجرها في وجوه الأبرياء، فتحصدَ الأرواح، وتهدم البيوت، وتزرعَ الخرابَ في كل مكان!.
إن وباء المخدرات أخْطر في تقديري من أيّ وباء، بل هو أشد أذى من الفتنة.. ومن الحرب.. لأنه داء مسْتَتر.. لا تراه العينُ إلا باجتهاد، ولا تكشفُه البصيرة إلا بنصب.. ولا يمكن احتواؤه، إلا بجهد جهيد، وهو يتسلل عبر الدروب المظلمة.. والمسالك الوعرة.. حتى أحشاء الإنسان والحيوان استُخدمت أوعيةً لتمريره عبر الموانئ والمطارات ومنافذ الحدود البرية الوعرة!.