حينما يمن الله سبحانه وتعالى بالأمطار على أرض ما، يهب من عليها لشكره ورفع الأكف للدعاء بمزيد من الخير والبركة، وعلى أرض مدينة جدة تُرفع اليوم الأكف بالدعاء لله سبحانه وتعالى بأن لا تنهار البرك ولا يغرق المزيد من البشر وبأن ييسر الله الأمر.
لم يكن ما حدث في جدة سوى كارثة بكل المقاييس والأعراف والقواميس، كارثة لا ينبغي أن تمر مرور الكرام، كارثة ليس لأن الله منَّ عليها بالأمطار الغزيرة له الحمد والشكر على ذلك وغيره، بل لأن الله منَّ عليها بالخير الوفير من ميزانيات فلكية عبر عقود من الزمن لتجهيز بنيتها التحتية لاستقبال كوارث أبشع مما استقبلت جدة وأقسى من فيضانات تسونامي وزلازل اليابان وإندونيسيا ولم يتم الاستفادة منها وتوظيفها بشكل سليم.. ما سبق أن صُرف على بنية جدة التحتية يكفي لأن يجهز تصريف سيول وأمطار يابسة العالم بأكمله وليس مدينة حجمها 900 كلم2 ويقطنها قرابة أربعة ملايين نسمة فقط.
الحديث عن ما تم صرفه وكيف تم استخدامه وتوظيفه ليس من اختصاصي إطلاقاً ولا أريد أن يكون، لكنني أتعجب من كُل مسئول ما زال يعيش يومه على كرسيه الدوار الفاخر من استمراره في موقعه، أتعجب من ماء وجه المسئول وهو يقدم التصريح تلو الآخر والتطمين بعد الآخر.. عجبي، ألا يكفي مائة وعشرة قتلى حتى لحظة كتابة هذا المقال والكثير من المفقودين أن يجعله يتقدم بتصريحه الأخير الذي يُحمِّل فيه نفسه جزءاً من المسئولية، ألا يكفي عدد الأُسر التي حُرمت متعة العيد بفقدان عائلها أو ابنها وتحويل أعيادهم إلى مآتم أن يتقدم ذلك المسئول باعتذار لهم، ألا يكفي تناقل وسائل الإعلام الخبر للعالم بأسره واتساع دائرة الفضيحة بأن يتقدم ذلك المسئول على الأقل باستقالته إن لم يقدم نفسه للمحاكمة.
لن تستطيع الدولة بأجهزتها منفردة أن تقوم على متابعة أوضاع مشاريعها التي تهم المواطن وحياته وحاجاته، نحن أحوج ما نكون اليوم لإنشاء هيئات تتمتع باستقلالية كاملة لمراقبة مشاريع الدولة وتقديم المساعدة لها في الإفادة عن ما يتم أولاً بأول فضلاً عن أجهزة تتمتع بقدرة مستقلة على التحقيق في أي سقطات في جودة المشاريع والخدمات المقدمة منها نتيجة فساد أو سوء إدارة لتقوم بعد ذلك الدولة بأجهزتها الرسمية باتخاذ ما يجب اتخاذه من عقوبات تتناسب مع حجم الخطأ.
عندئذٍ فقط سيعلم المواطن وقبله المسئول أنه لا تُوجد منزلة تحمي المقصر والمتكاسل والسارق والمتلاعب والجميع تحت القانون.. إلى لقاء آخر إن كتب الله.