أعتقد بأن مراكز الدراسات والبحوث التابعة لجامعاتنا الحكومية أنشئت لاستثمار فائض موارد الجامعات لتقديم خدمات استشارية ترتكز إلى الدراسات والبحوث لكافة المنظمات (حكومية، خاصة، غير حكومية) في بلادنا بما يساهم في تعزيز مسيرة التنمية من جهة وبما يوفر دخلا إضافيا لموارد الجامعات البشرية للمحافظة عليهم في ظل الفرص الوظيفية المتاحة خارج أسوار الجامعات والتقيد بسلم الرواتب والأجور الحكومية المعتمدة من جهة أخرى.
ورغم مخاطر اعتماد المنظمات الحكومية والخاصة وغير الربحية على مراكز استشارية تستند إلى كوادر أكاديمية لديها معرفة كاملة (بماذا؟) وتفتقر (لكيف؟) لأنها كوادر غير مهنية يغيب عنها الكثير من تشعبات وأسرار وأعماق القضايا التي تتصدى لها، أقول رغم كل ذلك إلا أننا استبشرنا خيرا بها على اعتبار أنها تشكل كتلة استشارية بدائية يمكن أن تتطور تدريجيا لتصبح كتلة استشارية ناضجة تعزز قدرات منظماتنا التنافسية من خلال رفع كفاءتها في استخدام الموارد المتاحة إلى أقصى حد خاصة إذا استطاعت استقطاب كوادر بشرية مهنية ممارسة إلى صفوف فرق عملها وهو أمر متاح لو أرادت ذلك.
المحزن أننا بدأنا نلحظ انحرافا واضحا في فكر وسلوك بعض هذه المراكز حيث أصبحت تستهدف تحقيق أهداف مالية دون النظر للجودة وانعكاساتها ودون النظر لأثر منافستها للقطاع الخاص السعودي الذي كنا نأمل أن تعززها بدل أن تعيقها كما هو الوضع الحالي حيث باتت الكثير من الشركات تعاني من مزاحمة هذه المعاهد لها في المناقصات بأبخس الأثمان والتي لا تورث إلا الفشل، وأنا على علم بوزارة رصدت لتطويرها المليارات قامت بإسناد تطوير إستراتيجيتها إلى معهد بحثي تابع لجامعة وطنية الذي بدوره أسندها بالباطن لأحد المكاتب الاستشارية الخاصة فآل مصيرها إلى الفشل.
شركات خاصة صغيرة ومتوسطة لديها كفاءات وطنية مهنية أصبحت تعاني اليوم من معاهد الدراسات والاستشارات التي أصبحت تنزل بالسوق إلى أسفل جودة وسعراً بدل أن ترتقي به كما هو منتظر منها لكونها مراكز مدعومة بالميزانيات الحكومية ومن المفترض أن يكون لها رسالة تؤديها لصالح نهضة الوطن والمجتمع من خلال إعادة تشكيل الوعي حيال ماهية وأهمية وتكاليف الاستشارات والدراسات وأثرها البالغ في رفع الجودة وتخفيض التكاليف والاستثمار الأمثل للموارد بما في ذلك مورد الوقت بما ينعكس إيجابا على تنمية سوق الاستشارات والدراسات.
أرجو من معالي وزير التعليم العالي الذي حققت وزارته إنجازات كبيرة من جهة الوفاء بتطوير مشاريع الجامعات بالوقت المستهدف ومن جهة كم ونوع القبول واستيعاب مخرجات التعليم الثانوي أن يتدخل في إعادة تشكيل دور هذه المعاهد لعلنا نكون بنية تحتية قوية لمراكز دراسات استشارية تضع نصب أعينها تنمية سوق الدراسات والأبحاث وعلى نفس الدرجة من الأهمية أهدافها التسويقية والمالية، وكلي ثقة بمعاليه أن يجعل من تلك المعاهد شبكة استشارية قوية وفاعلة تدعم تنافسية كافة المنظمات في بلادنا بالتكامل والتعاون مع القطاع الخاص السعودي.
****
alakil@hotmail.com