يلتقي هذه الأيام عمداء البحث العلمي في الجامعات السعودية في لقائهم التنسيقي الرابع، وبعيداً عن سرد المهام والمسؤوليات التي تضطلع بها هذه العمادات، ودون التعريج على المحفزات والبواعث والإيجابيات والإنجازات التي تسجل للباحث السعودي عموماً وللعمداء الأعزاء على وجه الخصوص خاصة في الجامعات السعودية المعروفة ذات الريادة والسبق في مجال البحث العلمي، بعيداً عن هذا وذاك، هناك إشكاليات تعترض طريق الباحثين الجادين، كما أن هناك معوقات تقتل الطموح وتضعف الهمم وتقف عائقاً في وجه المبدعين والمتميزين في البحث والدراسة، ولعل منها في نظري الشخصي طبعاً:
* عدم تحديد رؤية واضحة للمستقبل تبنى على أساسها خطط التنمية وبرامجها المختلفة الأمر الذي يجعل البحث العلمي بمعزل عن الإستراتيجيات التنموية الواعدة، والتي هي الركيزة الأساس في الحركة البحثية عالمياً، كما أنها اللبنة الأهم في بناء الذهنية الإيجابية الفاعلة المرتكزة على أسس علمية صحيحة.
* قصور التشريعات والسياسيات الخاصة بالبحث العلمي وحماية الملكية الفكرية سواء ما يتعلق منها بالجانب القانوني والإداري أو المالي أو حتى الهيكلي التنظيمي تنظيراً وتطبيقاً.
* ضعف الأساليب التي تدرب الطلاب على الطرق العلمية للبحث والسبر سواء في التعليم العام أو الجامعي، بل وحتى في مرحلة الدراسات العليا، إذ إن ما يقدم في مادة البحث العلمي لطلاب الماجستير مثلاً وفي جل الجامعات أضعف مما هو ضروري لإعداد باحث مؤهل في التخصص الذي ينتمي له، ولا أبالغ إذا قلت إن هناك عدداً من أعضاء هيئة التدريس ليس لديه القدرة على مواكبة الجديد في آليات البحث وطرائقه التي تسهل مهمة الباحث وتقوي قدراته الاستنتاجية والتحليلية.
* التستر والمتاجرة في البحث العلمي من قبل بعض من يعول عليهم في البناء والتعليم.
* عدم الإدراك المجتمعي لأهمية المشاركة في إنجاح البحث العلمي «الميداني».
* ضعف الثقة بالباحث السعودي من قبل بعض الجهات.
* تعدد إدارات البحث العلمي وضعف التنسيق بينها، وعدم وجود إستراتيجية وطنية موحدة للبحث العلمي تكون بمثابة المرجعية الدائمة للحركة البحثية في المملكة العربية السعودية.
* غياب ترتيب الأولويات الوطنية للبحوث والدراسات العلمية، والتأثر بما يتداول عالمياً من إشكاليات دون القراءة الواعية للاتجاهات والإمكانيات والقدرات والمهارات التي قد تكون متعذرة في هذا الصرح العلمي أو ذاك.
* عدم القدرة على التواصل الأمثل مع عالم البحث العلمي الخارجي.
* الشللية وبناء الفرق البحثية على أساس المعرفة الشخصية في ظل غياب القاعدة السعودية المتكاملة عن الباحثين المتخصصين في هذه الجامعة أو تلك.
* عدم الاكتراث بأبحاث فلسفة العلوم وبعض المباحث الإنسانية الهامة والفصل بينها وبين العلوم الطبيعية والرياضية مع أن أبحاث الفلسفة عبر التأريخ هي بمثابة الأس الذي تقوم عليه النظريات والأفكار العلمية المحضة.
* عدم توفر بيئة وبنية تحتية محفزة وملائمة للبحث والإبداع خاصة في الجامعة الناشئة وعلى وجه أخص لدى كليات البنات، وما يزيد الأمر سوء وجود قيادات إدارية لا تعطي البحث العلمي حقه من الاهتمام.
* قلة المخصص للجامعات من وظائف «باحث» و «مساعد باحث».
* عدم القدرة على التواصل المثالي مع قنوات الإعلام المختلفة.
أعلم أن بعض هذه المعوقات خارج السيطرة وليس للعمداء يد فيها، والبعض الآخر تختلف نسبة وجوده من جامعات لأخرى، وهناك ما هو قيد الدراسة وفي طريقه للحل، وهناك...، ومع كل هذا لابد من الاعتراف هنا أننا بحاجة إلى مراجعة كاملة لحركة البحث العلمي السعودي ومطارحة هذه الإشكاليات على الطاولة بكل شفافية ووضوح، وخير من يدعى لهذا العمل الوطني الهام هم عمداء البحث العلمي في جامعاتنا السعودية وفي هذا الوقت بالذات.. وإلى لقاء والسلام.