المتابع للساحتين الفكرية والبحثية، والراصد للتحولات وردود الأفعال والتهميشات في خطابنا الثقافي المحلي إزاء الإرهاب وما ماثله من مصطلحات وظواهر مجتمعية سطحية أو عميقة، يلحظ وبكل تجرد أننا كثيراً ما نعيد أنفسنا ونكرر ذواتنا حين طرحنا لقضايانا الساخنة خاصة حين نطرح هذه الإشكالية المعقدة والمتداخلة والتي ولدها التطرف والغلو في الدين، إضافة إلى أسباب أخرى تباينت حولها الآراء واختلفت فيها وجهات النظر من قبل الباحثين وأهل الاختصاص، هذا ما حدث تماماً في مؤتمر الإرهاب الأخير الذي احتضنته الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، وربما كان لصاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية قراءة استباقية لما سيكون عليه الحال في جلسات هذا المؤتمر الهام، ولذا طالب في كلمته الرائعة التي دشن بها المؤتمر وافتتاح بها فعالياتها الانتقال من دائرة التشخيص إلى وصف الدواء الذي به تتحقق الحماية للصحيح والعلاج للسقيم، إذ قال ما نصه: (إن اجتماعنا في هذا المؤتمر المهم في موضوعه وغاياته ليس لتشخيص الفكر المنحرف وتوضيح مخاطره فذلك معلوم بقدر علمنا وتفهمنا لتعاليم ديننا الإسلامي الحنيف ومبادئه الخالدة، ولكن من أجل أن نضع تصوراً عملياً يعزز جهود إعادة المنحرف ومنع المستقيم أن ينحرف، وهي مهمة لن تكون بالسهلة ولكنها ليست بالمستحيلة أمام عزائم المخلصين واجتهاد المجتهدين فالغلبة دائماً لأنصار الحق والهزيمة دوماً لأعوان الباطل ودعاة الظلال. أيها الإخوة.. إن ما أرجوه لهذا المؤتمر ولهذا الجمع المبارك هو أن نصل من خلال ما طرح من موضوعات ومحاور لجوانب موضوع «تطرف الفكر وفكر التطرف» إلى رؤية علمية تسهم بإذن الله تعالى وتوفيقه في نجاح جهود مواجهة الفكر المتطرف وحماية الفرد والأمة من خطره ومخاطره)، نعم.. هذا هو المطلوب من الكتاب والباحثين في هذه المرحلة التاريخية على وجه الخصوص بعد أن عرف المواطن والمقيم ما هو الإرهاب وأيقن بخطورته ورأى بأم عينيه شدة فتكه وعلم حرمة الانضواء تحت لوائه والإيمان بمرتكزاته ولبناته وتوجهاته، ولكن وكما أسفلت وللأسف الشديد لم يتحقق هذا المؤمل بالصورة التي نتطلع له جميعاً وينشدها ولي الأمر مع احترامي لكل ما بذل من جهد وما أنفق من مال!!،.. وللقارئ الكريم أن يعود للتاريخ ويقرأ مثلاً ما دار في اللقاء الوطني الثاني للحوار الفكري والمنعقد في الفترة 4 إلى -9 11-1424ه، بمكة المكرمة تحت عنوان (الغلو والاعتدال - رؤية منهجية شاملة -) أو يسأل عمّا كان في مجلس الشورى من حوارات ومناقشات ودراسات ليرى أين كنا وإلى أين وصلنا، ومن أراد المقارنة الدقيقة بين مؤتمرين لهما صفة الدولية وتحتضنهما مؤسسة حكومية متخصصة، «جامعة» تابعة لوزارة واحدة « وزارة التعليم العالي « فله أن يقلب في أبحاث وتوصيات المؤتمر العالمي (موقف الإسلام من الإرهاب)، المنعقد قد في رحاب جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية أول شهر ربيع الأول عام 1425ه، لقد كان مؤتمر الإمام الذي عقد قبل ستة أعوام أكثر عمقاً وأوسع مشاركة وأبلغ أثراً، فهو وبامتياز طرح الإرهاب برؤية عالمية وبلغات مختلفة وبناء على تصورات ذات بيئات متباينة شارك فيه أكثر من ثمانين باحثاً ومتخصصاً يمثلون خمسين دولة عربية وإسلامية وأجنبية، وعدد المشاركين في مؤتمر الجامعة الإسلامية مقارب لهذا العدد، ست وأربعون منهم من المملكة العربية السعودية، (أكثر من 50%) وثلاثة عشر مشاركاً من مصر، ومن الأردن ستة فقط ومثلهم من الجزائر، وثلاثة من المغرب، ومن الكويت اثنان، واثنان من اليمن، وواحد من كل من تونس والعراق وأفغانستان ومالي ونيجيريا والبحرين وسوريا وفلسطين، لماذا لم يستكتب.. نعم يستكتب.. كتاب غربيون وشرقيون لنعرف وجهة نظرهم في الموضوع خاصة وأن الإرهاب لا دين له ولا وطن. إضافة إلى هذا فإن جل المشاركين أكاديميين والدراسات ذات صبغة نظرية لما يكن لها بعد ميداني وتقصي حقيقي لهذه القاصمة المؤلمة «الإرهاب».إن من الأهمية بمكان في نظري الشخصي أن يكون عملنا العلمي عملاً تراكمياً ومؤتمراتنا تكاملية حتى تكون الفائدة أعظم والعائد أكبر والمصلحة الدينية والوطنية المتحققة أعم وأشمل، ليست المسئولية وتبعاتها تقع على عاتق الجامعة المنظمة فحسب بل على الباحثين والدارسين المشاركين في هذا الحدث الهام كذلك، وإن كان الهدف التذكير والتبصير فقد تحقق بامتياز وما جاء من رجاء وتمنى لا ينقص من الجهد ولا يقدح في الترتيب والإعداد.