أشرق بين يدي كتيب يحمل عنوان (حق المرأة في التقاضي) وهو من تأليف فضيلة الشيخ - محمد الصائغ قاضي المحكمة العامة بمحافظة تيماء، والكتيب بمحتواه المركز والثمين من الممكن أن يتحول إلى دليل إرشادي إجرائي للعديد من النساء اللواتي تقودهن الظروف إلى أروقة المحاكم، وهذا بالتحديد ما يذكره المؤلف في مقدمة كتابه.
فهو في مجملة يتجاوز الطروحات التقليدية التي تتناول قضايا النساء في المؤسسات العدلية سواء كوكيلات عن الخصومة (محاميات) أو صاحبات مظلمة، ويقدم بدلاً منها طرحاً موضوعياً مستنيراً هادئاً ومؤصلاً شرعاً، مضيئاً الكثير من الجوانب التي تحاول الثقافة السائدة والمهيمنة أن تغفلها أو تغض الطرف عنها أو تنزل دونها ستاراً سميكاً يحجب عن الرأي العام كثيراً من الحقوق الشرعية للمرأة داخل أروقة القضاء.
ويركز الكتيب على أهمية إنشاء محاكم للأحوال الشخصية تعنى بالقضايا الأسرية، (هو الأمر الذي تسعى له الآن وزارة العدل على ما أعتقد)، أيضاً يرجع الكتيب الكثير من جوانب القصور والظلم الذي يطال المرأة إلى جهلها بحقوقها القضائية وتفريطها فيها ويعلل هذا بعدد من الأسباب منها: العادات والتقاليد المخالفة للشرع، وتسلط الرجال وعزل المرأة عن المجتمع، قلة التوعية في وسائل الإعلام، الخوف من المستقبل والرضا بالواقع مع الظلم الحاصل عليها، الظن السائد بأن دخول المرأة للمحكمة من المعائب والنقائص.
ثم يصل في جزء لاحق إلى حقوق المرأة القضائية مثل الحقوق التي تساوي فيها المرأة الرجل من ناحية حق التقاضي ورفع الشكاوي، وتقديم الدعاوى، للفصل فيها. مؤكداً على عدم اشتراط الذكورة في الوكالة العامة على اعتبار أن كل من صح تصرفه في شيء من ذكر وأنثى جاز أن يتوكل عن غيره دون أن تخل المرأة بحشمتها وطبيعتها.
ومن هنا أوجز لبعض حقوقها الشرعية داخل أروقة المحكمة مثل حق الإدلاء بالشهادة، وحقها في الولاية على أموال أولادها القصر بعد وفاة والدهم إذا لم يوص من يتولى عليهم، حقها بأن ترفع أمرها للقضاء إذا عضلها وليها ولم يزوجها بالكفء، حقها في حضانة أولادها، وأخيراً الحقوق التي تندرج في الدعاوى الزوجية مثل (حسن العشرة، والنفقة، إثبات الطلاق، المطالبة بفسخ النكاح أو الخلع) ولفت نظري هنا من الحقوق المغفلة للمرأة هو حقها بالمطالبة القضائية بشرط في عقد الزواج، أو المطالبة بالعدل في القسم بين الزوجات.
وفي نهاية الكتيب يفرد المؤلف بضعة صفحات لأبرز الإشكاليات التي تطال المرأة داخل المؤسسة العدلية، ومنها أن إشكالية أن القضاة لا يعتدون ببطاقة المرأة ويطلبون معرفين لها. وإن كان المؤلف حاول أن يبرر ويلطف هذا الموضوع، إلا أنني أعتقد بأنه يمثل إشكالية كبرى لاسيما أنها تتعلق بهوية المرأة المنحاة والمغفلة خلف غطاء الوجه، وهي القضية التي يمكن تجاوزها إما عبر التأكد من الهوية عبر المطابقة مع الصورة في قسم نسائي خاص، أو تخريجها شرعياً عبر أي من المذاهب الفقهية التي تجيز كشف الوجه للمرأة.
كتيب حق المرأة في التقاضي يقع ضمن سلسلة نحو ثقافة قضائية الصادر عن مجلة العدل، وهو الكتيب الذي بالتأكيد لابد أن يكون في يد كل امرأة تقودها ظروفها نحو أروقة المحاكم.