توفيت طفلة قاصرة في اليمن جراء زواج غير متكافئ، لا يمكن أن يُقرّه الإنسان السوي والمتحضر. وأنقذ الله طفلة في القصيم (11 عاماً) بعد أن منَّ الله عليها بأن تم اكتشاف أن الرجل العجوز (65 عاماً)، طالب القرب، مصاباً بالتهاب الكبد الوبائي (B)، فمنعه النظام من أن (يستمتع) بهذه الطفلة البريئة، ويُطْفئ بهذه العلاقة الزوجية غير الإنسانية لهيب شبقه، بسبب المرض، وليس بسبب التفاوت الكبير في العمر بين الزوجين (54 سنة)؛ ويجب أن نشكر هذه المرة المرض بعد أن قدّم خدمة إنسانية نادرة، وأنقذ هذه (الطفلة) الصغيرة المظلومة.
ولا أدري ما الذي يجعل السلطات في المملكة مترددة في منع مثل هذه الزيجات غير المتكافئة بكل ما تحمله كلمة (تكافؤ) من معنى. أعرف أن ثمة خلافاً فقهياً في هذه القضية؛ فهناك فقهاء يرون أن منع الزواج من القاصرات لا يمكن تبريره شرعاً بحكم مدلولات بعض النصوص، ولا اجتهاد مع وجود النص؛ غير أن هناك فقهاء آخرين، ومعتبرين أيضاً، يرون جواز المنع، انطلاقاً من أنَّ الأدلة التي ترى الإباحة أدلة احتمالية في مدلولها وليست قطعية الدلالة؛ وبالتالي فمتى ما اقتضت المصلحة تشريعَ المنع جاز ذلك طلباً للمصلحة الراجحة، وانطلاقاً من قاعدة (أينما تكون المصلحة فثمَّ شرع الله).. وحتى لو افترضنا - جدلاً - عدم جواز المنع من حيث المبدأ مواكبة للنصوص التي تفيد الإباحة كما يقول الممانعون، فإنَّ من الحقوق الأصلية لولي الأمر صاحب البيعة أن (يُقيِّدَ المباح) متى ما رَجَحَ لديه مصلحة في التقييد؛ مثلما قُيِّدَ الزواج من غير السعوديات إلا بموافقة حكومية، ولم يعترض أحدٌ في السابق أو في الحاضر، ومثلما قُيِّدَ الزواج بإثبات خلو الزوجين من الأمراض المُعدية طبياً؛ فإذا كان تقييد الزواج من غير السعوديات مُباحاً، وتقييد الزواج بإثبات خلو الزوجين من الأمراض المعدية مُباحاً أيضاً، فما المانع من تقييد الزواج بسن مُعيَّن لا يَقل عن ثمانية عشر عاماً لكلا الزوجين على نفس المنوال واعتماداً على ذات المنطلقات؟
النقطة الثانية التي لا بد من إثارتها ونحن نتحدث عن انتهاك حقوق الطفولة بهذا الشكل الفاضح والمخجل، أن الدافعَ إلى قبول مثل هذا الزواج من الأبوين هو (المال) وليس ثمة دافع آخر وإن ادّعى الطرفان خلاف ذلك. والسؤال: هل وصل الفقر بالسعوديين إلى درجة أن يزوجوا فلذات أكبادهم بهذه الطريقة المذلة والمهينة واللا إنسانية من أجل الهروب من الفقر؟.. نقطة جوهرية في الموضوع، تحمل الكثير من المؤشرات، لا بد من إثارتها ونقاشها بكل صراحة.
وهذه ليست المرة الأولى التي أكتب فيها عن ضرورة إيجاد حل لهذه المعضلة، فقد كتبت وكتب غيري عنها مراراً وتكراراً. غير أن إلحاح هذه القضية، وخطورة تطنيشنا لها، يجعل تكرارها وإثارتها كلما طفت مثل هذه القضايا على السطح، مطلباً في غاية الأهمية.
وبودي أن أسمعَ رأي معالي وزير العدل الدكتور الشيخ محمد العيسى، فهو المَعني بحل هذه المعضلة الاجتماعية، خصوصاً وأنه عوّدنا سرعة التجاوب في القضايا التي هي محل حوار ونقاش في الساحة المحلية؛ فهو من المسؤولين (القلائل) الذين لا يعترفون بتلك المقولة (الغبية) التي يحفظها بعض وزرائنا عن ظهر قلب على ما يبدو: (إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب)؛ فالشجاع الذي يثقُ في نفسه وعِلمه، ولا يخشى في قول الحق لومة لائم، ولا يخاف المواجهة، يُصبحُ الكلام في قواميسه ليس من ذهب فحسب، وإنما من (ألماس) أيضاً.
ملحق على جنب:
للأخ محمد النجيمي أقول: ذكرتَ في قناة (سكوب) أنك فقيه ولك جماهير (كذا)؛ وطالبت القناة بقياس جماهيريتك من خلال استفتاء. طيّب؛ هل من سمت العلماء وخلقهم أن يُطالب الفقيه الآخرين بقياس (جماهيريته) من خلال استفتاء مثلما يقيس الفنانون ولاعبو الكرة نجوميتهم؟!.. أينك من قوله تعالى: {فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى}؟.. يقول الشاعر:
(يُغمى على المرءِ في أيام مِحنتِه..
حتى يَرى الخيرَ في طعنٍ وفي جَدَلِ)..
الله يهديك بس!
إلى اللقاء.