إن كثيراً من قضايانا الأسرية ومشاكلنا العائلية أو التربوية والاجتماعية والتي تؤوَّل إلى النزاع والشقاق.. والخصام والطلاق.. حلها الحقيقي يكمن في شيء من التواصل المبني على حسن الظن والحوار المرتكز على الاحترام والتقدير والنقاش الهادئ القائم على الحب والثقة.. سواء في حياتنا الأسرية أو الاجتماعية لماذا؟ لأن الرؤى تختلف والثقافات تتنوع، فإذا اجتمعت تحت سقف واحد فليس من الشرط ان تتفق وليس من لازم الحال أن تتوافق، بل إن في اختلافها وتباينها في كثير من الأحيان مزيد علم، وزيادة إدراك.. ولا عجب في ذلك، بل إن العجب كله فيما ينتج من ذلك من اعتزاز كل برأيه أو فرض حقيقة موقفه والأشد أن تصل للقطيعة والتحقير أو السخرية والاستهزاء أو المضايقة والاعتداء.. {فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى}، {وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ}.
إنها سمات لتأصيل منهجية ثقافة الحوار الناجح في مجتمعنا من الرفق واللين.. والمودة والرحمة إن نشر ثقافة الحوار بيننا في أسرنا ومدارسنا أمر مهم وخصوصاً في هذا الوقت الذي توسعت فيه مدارك أبنائنا واتسعت آفاقهم وتنوعت اهتماماتهم.. لابد أن نبين وجهات نظرنا.. وصدق مبادئنا.. وحسن توجهاتنا؛ وذلك كله لا يكون إلا بالحوار والتحاور والشفافية والوضوح معهم..
إن الحوار مع الأبناء شكل من أشكال الفهم والتفاهم والاحترام والتقدير وهو ليس سؤالاً وجواباً فحسب، بل هو إضافة كبيرة للطفل تستهدف بناء شخصيته وتكامل أفكاره.. وخصوصاً إذا علمنا أن التخاطب بين الأب وابنه والمعلم وتلميذه هو تخاطب بين عصرين وحديث بين جيلين الذي يجب أن يكون مبنياً على الثقة والاحترام، محاطاً بسياج الأبوة والبنوة.. إن الفرق بين تأثير كلمة وأخرى، يكمن في اختيار الكلمة في الوقت المناسب (والنفسية المناسبة). لذا فإن المشكلة الحقيقية في تواصلنا مع الأبناء تكمن في الرد بنفس الأنماط المختزنة في الذاكرة من النماذج التي تعرضنا لها في خلال مراحل الحياة المختلفة، وأغلبنا يحاور دون ترك مساحة للتفكير في أسلوب الحوار الأكثر فاعلية، وما حصل من الصدود والانحراف، والبعد والجفاء من أبنائنا إلا بعد أن أُهملت بيننا ثقافة الحوار وعطل شعارها.
من اجل هذا، فالحديث مع الأبناء فن قائم على القواعد والرموز الخاصة به، فالأبناء نادراً ما يطرحون أسئلتهم بسذاجة، لأنهم يقصدون من ورائها معاني تتطلب من آبائهم مهارة خاصة لفهمها، لكي يصلوا إلى إدراكها وإشباعها، فترتاح نفوس أبنائهم الحائرة، فلا نكتفي بسماع حديثه، بل نبادر إلى فتح الحوار معه، خصوصاً أن العلم أكد أن الحوار يعلم الابن طلاقة الكلام، ويساعده على ترتيب أفكاره، ويمرنه على الإصغاء والفهم وتنمية الشخصية، وتقوية الذاكرة. والاستماع لحديث الأبناء ثم فهمهم، مهارة يجب أن نتعلمها، وشفرة يجب على المربي فكها، لذا استمع أخي المربي لابنك وتلميذك جيداً، ولاحظ كل تغييرات وجهه، والطريقة التي يقف بها، وحدة الصوت ودرجة ارتفاعه، وانظر إليه باهتمام، فقد أثبتت الأبحاث أن الكلمات التي تُقال تنقل فقط 20% من المعنى المراد إيصاله، و80% ينتقل من خلال التعبيرات المختلفة بأعضاء الجسم والوجه، ولنحذر من مقاطعته أو تصويب أقواله مباشرة، بل لا بد من إبداء ملامح وعبارات الإعجاب: أحسنت، عظيم، رائع، ما شاء الله، ولا ننسى في هذا المكان الدور العظيم إلى يحدثه والأثر الكبير الذي يؤصله مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني من إشاعة ثقافة الحوار في مجتمعنا وتأصيل قيمه وخصوصا بين الأبناء والآباء، والطلاب والمعلمين. والذي نتمنى أن تعمم أفكاره وتؤسس مبادئه في جميع محاضننا التربوية.