يبدو أن المنافسة ساخنة جداً بين محافظات القصيم ومدنها، ليس على مستوى كرة القدم مثلاً، ولا أيها أكثر سكاناً أو مساحة، وأيها يجب أن يذكر اسمها أولاً، ولا حتى بين مهرجانات التمور والصيف والكليجا، بل على مستوى أيها الذي يحطم الرقم القياسي للطفلة الأصغر سناً في التزويج من كهل، فلم نكد ننهض من كارثة طفلة بريدة، وعنيزة، حتى جاءت طفلة الرس ذات الإحدى عشر ربيعاً، لتقول لنا بأن هذه المدينة التي كانت بوابة البلاد في صد الغزو التركي ذات زمن، المدينة التي تحظى عن غيرها باحتضان مقبرة للشهداء، والقصة المشرفة لأبطال صمدوا، وحفظوا المدينة خلف أسوارها وأبراجها، على مدى أشهر طويلة أمام المدفعية التركية، ورفضوا التفاوض والتسليم لإحساسهم بالأرض من جهة، وإيمانهم بمبادئهم من جهة أخرى، لم يخلفوا الأحفاد الذين يؤمنون بقيمة الإنسان وحقه في الحياة الطبيعية، وإلا ما معنى أن تتزوج طفلة في الحادية عشرة من كهل سبعيني، تعثر الفحص الطبي لزواجه بسبب إصابته بالوباء الكبدي، الذي تنص القوانين على إكمال إجراءات الزواج في حالة معرفة الطرف الآخر بالمرض وموافقته عليه، ستفهم طفلة صغيرة، لا تفرق بين الكبد والرئة، ماذا يعني الوباء الكبدي؟ ومن ثم توافق عليه أو ترفضه؟
هل يعقل بأننا لا نستطيع صياغة قانون يحرم مثل هذه الزيجات، ونقوم بتنفيذه؟ إذا كان الوعي في المجتمع لم يصل بعد إلى خطورة مثل هذه الأفعال؟ بل ألا يُعَدُّ ذلك خرقا علنيا لحقوق الطفولة التي أقرتها الجمعية العامة لحقوق الإنسان عام 1959م، ووقعت عليها السعودية عام 1995م، والتي تؤكد موادها على عدم استغلال الطفل وحمايته من جميع أشكال الاستغلال الجنسي وبيعه لأي غرض من الأغراض؟ بل إن مادته الرابعة والعشرين تؤكد على حقه في التمتع بأعلى مستوى صحي، وفي حالة طفلة الرس قد يتخذ الولي قرار تزويجها من رجل مصاب بمرض معد!
من يقرأ مواد اتفاقية حقوق الطفل، يكتشف بأننا نخترقها يومياً عشرات المرات، وما يصل إلى الصحافة إلا القليل، ولعل تعهد كل الدول الموقعة على الاتفاقية، من بينها المملكة، يلزمها بتطبيق الاتفاقية وحماية الأطفال الخاضعين لجنسيتها.
إحدى عشرة سنة تصنف ضمن الطفولة المتوسطة، وليس الطفولة المتأخرة، هي سن حرج جداً، وفيما لم يعش الإنسان لحظاته، فإنه سيصبح إنساناً غير سوي، وينعكس ذلك على شخصه، وعلى ما يخضع تحت يده من أجيال! إحدى عشرة سنة قد تستحق البكاء والتأمل والتفكير بالاشتغال عليها كنص سردي، ينافس إحدى عشرة دقيقة لباولو كويليو، التي تتناول قصة فتاة قروية برازيلية تباع عبر رجل أوروبي كرقيق أبيض، يتم استغلاله جنسياً، هناك إحدى عشرة دقيقة تمارس فيها فتاة كويليو الرذيلة، بينما طفلة الرس ستودِّع خلفها إحدى عشرة سنة بيضاء، وسيباع جسدها الطفولي الصغير لعجوز يتسلى به، لكنه لن يكون من عجائز الياباني ياسوناري كاواباتا في بيت (الجميلات النائمات) الذين يزدرون حبة منوم ويغفون قرب الطفلة ذات الخمسة عشر ربيعا، بل إنه حتماً سيأخذ حبة زرقاء، لا حبة منوم!!
yalmohimeed@hotmail.com