ينظر مجموعة من العقلاء إلى ما يجري بين ظهرانينا من أحداث تلقي الضوء على خطورة ما يمكن أن نواجهه في الفترات القادمة، والذي قد يشعل نار فتنة لا قِبل لنا بها، ولا مصلحة لهذا الوطن الآمن السالم فيها، وهي هذا الصدام الذي جعل فئات تركب موجة الدين لتطعن الأمة باسم الدين، وفئات تنسب إلى الله عز وجل، وإلى رسوله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ما لم يقله عز وجل، ولا رسوله صلى الله عليه وسلم، وحتى أخذوا يلوون أعناق النصوص لتخدم الأهداف التي يسعون إليها، ونحن في غفلة، ولا ندرك آثار ذلك على الأطفال، وعلى الناشئة، وعلى الكبار، وعلى نصف المجتمع، المرأة التي أخذوا في الهجوم عليها بدون مبرر، مع أنّ الله عز وجل كرّمها وأكرمها، وأعطاها ما لم يعطه أي قانون، أو أي نظام في هذا العالم الذي نعيش فيه.
واختفت روح الحوار الذي كان من الممكن أن يقودنا إلى حلول واعية وحضارية، تتفق مع هذا المنهج الذي تركنا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويضاف إلى هذا البلاء بلايا ورزايا أخرى، أخذت تنخر في المجتمع، وتدفعنا إلى فتنة لا قِبل لنا بها، ولعلّ من أهم العوامل التي تدفعنا دفعاً إلى هذه المزالق هي وجود مظاهر مهمة لا بد أن نلتفت إليها وإلى تطوُّرها، ومن أهمها:
أولاً: هذه البطالة المقنعة التي أخذت تطل علينا وبدأنا نشعر بها جميعاً بين البنين والبنات على السواء، وأخذنا نحملها على عوامل مختلفة، ولكنها تبقى حقيقة .. وحقيقة خطرة، وهي أنّ هؤلاء الشباب سوف يشغلوننا إذا لم نشغلهم، خصوصاً وهم يرون حولهم ملايين من الأجانب يعملون، وهم لا يعملون، ولا يجدون قوّتهم في بعض الأحيان، وأخذ البعض يتسكّع في الشوارع، وترتّب على ذلك مشاكل اجتماعية وأخلاقية، وكأننا في غفلة، وكأننا لا نعلم عن ذلك، وهو أمر في محصلته ذو أبعاد خطيرة جداً.
لقد غدا لدينا شباب يجوبون الشوارع، ويركضون خلف بعضهم البعض، من البنين والبنات، ونحن نقرأ كل هذه الأخبار ونؤثر الصمت أو نعالجها معالجات سطحية.
ثانياً: إنّ قضية تشغيل هؤلاء الشباب يحب أن تكون هي محور العمل في هذه المرحلة، والمرحلة القادمة، بصورة تؤمن إصلاح قدراتهم التعليمية، وتأهيلهم لسوق العمل، وإلغاء كل رافد من روافد التعليم يساهم في صناعة البطالة.
ثالثاً: لا بد من وضع حد أدني للأجور، حتى تعطي هؤلاء الشباب الفرصة للعمل، لأنّ المبالغ التي يعمل بها الأجنبي ويوفر ويبعث منها إلى بلاده، لا تكفي السعودي ولا السعودية ولا حتى في تغطية تكاليف التنقل من منزله إلى العمل، ولا تعطيه الحد الأدني المطلوب لقوت يومه وأسرته.
ومن هنا يجب التفكير في رفع الحد الأدني للأجور، وإقفال كل مصادر البطالة وتعليم أولادنا حب العمل واحترام العمل وغرسه في نفوسهم.
رابعاً: إنّ من الخطورة أن نخون الأمانة، ونستمر في استيراد عمالة أجنبية ونقذف بها في الشوارع، لأننا لم نحضرها لحاجة، وإنما للتجارة بها على حساب قضايانا الوطنية، وهذا بالتالي أدى إلى انتشار ألوان من الجرائم ومراكز الخمور والمخدرات، وانتشار الشعوذة والسحر بصورة لم نكن نعهدها بهذا الشكل، نتيجة لخلل اجتماعي ونفسي عند هؤلاء الشباب.
إنه مما يؤلم أن نكتشف كل يوم أوكاراً للدعارة ومراكز للخمور، ثم نجد شوارعنا مليئة بالأطفال والسيدات الذين يتسوّلون، مما يعني أنّ هؤلاء إنما استقدموا لأغراض لا علاقة لها بالتنمية التي نحن بصددها، وليسوا أيادي عاملة حقيقية - كما ذكرت - فهل آن الأوان للتنبُّة لهذا البلاء واستيراد الأجنبي الذي نحتاجه ونستفيد من خبرته، ونوقف هذا السيل الذي لا مبرر له.
خامساً: ولو نظرنا بعمق إلى قضية المخدرات، وبصورة خاصة الحشيش وحبوب الكبتاجون والهيروين والكميات الخيالية التي تدخل، نجد أنّ هناك من يسعى إلى تدمير شباب المجتمع، بصرف النظر عن الخسائر التي يتكبّدها، لأنّ الدولة تقبض على الآلاف ومع ذلك تستمر هذه الكميات في التدفُّق، مما يدل على أنّ وراء ذلك أهداف أكبر من مجرّد الربح، ويرسمون كل الخطط للوصول إلى الشباب وإفسادهم، وهي قضية تستحق وقوفنا عندها لنعرف أبعاد الحل الذي يمكن أن يقودنا إلى التخلص من هذه الهجمات الشرسة التي تسرّع في الفتنة وتنشر الفساد.
سادساً: انفتحنا على العالم بكل قنواته التلفزيونية ووسائل الاتصال، وأصبح شبابنا يرى ما لم يره من قبل عندما كان يعتمد على القدوة والأسوة في أسرته أو مدرسته، أو ممن حوله من أعضاء المجتمع، أو في المسجد من العلماء الذين يأخذون بيده ليعرف عن قدوة هذه الأمة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام.
سابعاً: إننا إذا ركّزنا في هذه القضية سنجد أنّ القضية التربوية هي الأساس، وقد حدث تراجع فيها ولابد من تداركه، وان القضايا الاجتماعية تعقّدت بسبب الوضع التعليمي الذي أدى إلى حدوث البطالة.
ثامناً: علينا أن ننظر بأمانة إلى أين يسير هؤلاء؟.. شباب وشابات.. بلا توجُّه وبلا عمل، في حيرة وقلق، وهذا قد يقودهم إلى فتنة لهم ولأسرهم وللوطن.
تاسعاً: إنّ موجة خطيرة بدأت تفتك بهذا الوطن، وهي هذه الفتاوى التي تنتشر في كل مصادر الإعلام من رجال ليسوا بأهل لهذه الفتوى، وتدفع الشباب إلى القتل، وتغريهم بأنّ طريق الجنة من هنا، على ظهر قتل الآخرين، وتخريب الوطن، مما يستدعي أن يكون لدينا وقفة حازمة لوقف هذا البلاء الذي مزّق جانب الشباب وشتت أفكار فئات أخرى.
عاشراً: علينا أن نفكر أنّ في فتح مجالات أسرع للشباب لتشغيلهم، مثل باب الجندية في الجيش والحرس الوطني والأمن العام، وفي إنشاء معاهد دون الجامعة بصورة أكبر مما هي عليه الآن لاستيعاب كل هذه الآلاف في مجالات التمريض والخدمة الطبية لحملة الثانوية العامة، وخدمة المستشفيات والتدريب على العمل في المعامل، واستيعاب التسرُّب من الثانوية العامة ومن مراحل الكفاءة، بل وحتى الابتدائية لجذب هؤلاء الشباب الذين تسرّبوا في مراحل مبكرة لأنواع من العمل البسيط لمقابلة سدّ حاجاتهم وتأمين قوتهم وعون أسرهم في ظروف ارتفاع تكاليف الحياة والمعيشة عامة والعلاج على وجه الخصوص، وغياب القدرة على توفير السكن لكل هؤلاء، والفقر خطير، وسبق أن تم تحذيرنا في تاريخنا: كاد الفقر أن يكون كفراً.