قابلت صديقا قديما؛ وكنت قد جئت له صباحا فلم أجده؛ ولما سألته ابتسم وقال:
كنت ذاهبا إلى "...." لتغيير صك ملكية أرضي.
فقلت: أنت اشتريتها قبل سنة؛ فكيف تغيّر الصك؟
قال: كان مهترئاً؛ وغيّروه بمثله لكنه ممزق!! قالها وضحك ثم زاد أود أن تضحك مثلي!!!.
وقام وأخرج الصك الجديد الذي استلمه اليوم؛ فإذا هو مشقوق من طرته السفلى ورقيق الورق؛ ورماه لي وقال: انظر إلى نوعية الورق.. إنه لن يصبر إلا شهراً وأعود لتغييره؛ وعندها سوف يضيع وقتي ووقتهم بسبب رداءة وسوء الورق.
نظرت إلى نوعية الورق فإذا هي من أردأ الأنواع المتوفرة في السوق؛ ورق يكاد يتمزق عند لمسه فقط؛ فما بالك بحفظه سنين قد تزيد على عمر مالك الصك؛ وخاصة إذا كان لأرض أو منزل أو نحوه؛ وبالأخص صكوك العقار الذي يبقى سنين طويلة عند بعض الناس؛ ويتم حفظه بطريقة طيّه كعادة القدماء؛ لأنه عندما يحفظ في ملف أو دوسية أوراق سيتم تخريمه؛ وهذا لا يمكن لأن هوامشه متقاربة.
أوراق الصكوك العقارية يجب أن تعطى عناية هامة وفائقة؛ لأنه لا بد أن تكون من النوع السميك القادر على الصمود خلال تداوله بين أيدي الناس؛ لأن الأرض أو العقار أصبح يهمّش ببيعه عدة مرات في السنة بحكم كثرة تداول الناس العقار في المدن بالذات؛ والحالة كذا فسوف يتعرض للتداول والتناول بالأيدي بكثرة؛ والنوع الحالي من الورق أرقّ بكثير من ورق بعض الكتب التي تتمزق عند الفراغ من قراءتها في القطار أو الطائرة!!
أذكر أن أوراق الصكوك القديمة كانت سميكة جداً؛ وتحتفظ بصلابتها لسنين طويلة؛ ويبدو لي أن نوعية تركيب الورق؛ أعني مادة التركيب كانت ذات مواصفات مخصصة للصكوك؛ فهي تبقى مدة أطول مهما تناقلتها الأيدي المالكة لها؛ ثم كان خط كاتب التهميش أو نص الصك جميلا يغري مالك الصك أن يقرأ الكتابة للمتعة بجمال الخط.
نظرت إلى ظهر الصك فإذا عليه تهميشات تزيد على خمسة تهميشات؛ وبينها فراغات يساوي كل فراغ ثلاثة أسطر؛ وحاولت أن أقرأ مضمون تلك التهميشات؛ لكني لم أفلح لرداءة الخط الذي كتبت به؛ واستغربت؛ كيف جاء خط الضبط ولا أدري ما تسميته في المحاكم بهذه الدرجة من الرداءة؟ ولو عرض هذا الصك على غير كاتبه فلن يقرأه فعلا؛ ولولا أني أعرف اسم صديقي لما قرأته بين السطور المعترجة كطريق قديم عبر ممر رملي.؛ لكني استغربت من خط كاتب التهميشات على الصك؛ والأغرب هو وجود ختم واحد للقاضي بالرغم من أن التهميشات كانت ثلاثة؛ منها تهميش لم أقرأ منه إلا كلمة واحدة فقط؛ أما البقية فهي شبه ألغاز لا يعرف ما بها إلا كاتبها؛ وقانونياً أو احترازياً يجب أن يكون هناك ختم على كل تهميش في الصك؛ حتى يضمن عدم التزوير (بالرغم من أن ما فيه محفوظ في دفاتر السجلات).
يبدو لي أن على وزارة العدل أن تلتفت إلى أمرين مهمين فيما يتعلق بالصكوك العقارية بالذات؛ وأن توليهما عناية وتوكل أمرهما لذوي اختصاص دقيق؛ وهما اختيار نوعية الورق المستعمل للصك؛ بحيث يكون سميكا وقويا؛ لأنه سيبقى في هذه الحالة مدة أطول؛ وعندما يكون قويا فسوف تضمن الوزارة أن لا تنشغل المحاكم بتغييره مرات عديدة لتمزقه؛ والناحية الأخرى يجب أن توكل مهمة الكتابة على الصكوك إلى من يكون خطه جيدا؛ أو لنتنازل كثيرا ونقول: لمن يستطيع القارئ قراءة ما كتبه الكاتب أو المهمش للصكوك.
لا تستغربوا لو أقسمت لكم أني صدمت حينما رأيت كتابة من قام بالتهميش ولم أستطع قراءة ما كتب إلا اسم صاحبي لأني أعرفه؛ أما غير ذلك فمن المستحيل بالنسبة لي أن أقرأه؛ ثم أن الخط يميل للأعلى والأسفل؛ وكأن كاتبه تلميذ يوجه المدرس أصابعه ليعرف الإمساك بالقلم؛ ولو قلت أن خط ابني في الخامسة الابتدائية أجمل منه لكنت صادقا في ذلك.
أضع هذه الإشكالية أمام معالي وزير العدل؛ فعسى أن تجد عدلا في حفظ وقت الناس والمحاكم من إضاعته في تغيير الصكوك الخاصة بالعقار.
ملاحظة: لدي اسم المحكمة التي صدر منها الصك الذي استلمه المواطن مشقوقاً وبورق رقيق جداً.
Abo_hamra@hotmail.com