الجزيرة - وليد العبدالهادي
عُرف جولدمان ساكس، أحد اكبر البنوك الاستثمارية بأسواق المال، بريادته في مجال الأنشطة الاستثمارية (المعقدة)، ومنتجاته رائجة لشرائح متعددة من العملاء في العالم (أفرادا، شركات تجارية ومؤسسات مالية وحكومات)، واشتهر بعلاقاته المتميزة وطويلة الأجل مع أصحاب الثروات منذ تأسس عام 1869م، خصوصا بعد مرحلة الكساد العظيم، ويعمل من منهاتن (نيويورك)، وقبيل انفجار الفقاعة الائتمانية للأزمة المالية زادت أنشطته فيما يسمى ب(صناديق التحوط)، وكان أكبر المستفيدين قبل الأزمة وبعدها. وفي علم التحقيق يقال «لكي تعرف من ارتكب الجريمة ابحث عن أكبر المستفيدين»..!
نبدأ من الأسبوع الماضي، ومن مكتب لجنة الأوراق المالية والبورصات في الكونجرس؛ حيث كانت هي أول من وجَّه للبنك رسمياً تهمة احتيال حول بيع رهونات عقارية ومشتقات مالية وهمية ومعقدة لعملاء في معظم أنحاء العالم، بعد أن كان يمتلكها مطلع الألفية. وتشير الإحصاءات المعلنة إلى أن ما قيمته 10.9 مليار دولار أمريكي تم بيعها بأسعار فلكية فقدت 80 % من قيمتها إلى أن أصبحت تثمن بنحو ملياري دولار لحظة سقوط الأخ الأكبر (ليمان برذر) وبدء إعلان الأزمة المالية من وول ستريت. وبلغة الأرقام تم إنشاء أصول تبلغ قيمتها 108 مليارات دولار خلال عامي (2005م و2006م)، ومع نهاية عام 2007م تخلَّص البنك من معظم هذه الأصول المركَّبة للعملاء.
التحقيقات عبرت المحيط الأطلسي إلى منطقة اليورو، ولو ثبت فعلا ذلك من الممكن أن يجر معه متهمين آخرين في القارة عملوا لصالح (جولدمان ساكس)، أو على الأقل لو تمت إدانته - أي البنك - في أوروبا سيتكبد اليورو خسائر جمَّة.. وما زال الأوروبيون يحاولون إخفاء هذه المصيبة خصوصا أن البنك أُثيرت حوله شكوك بعلاقته مع اليونان قبيل انضمامها إلى الاتحاد النقدي الأوروبي؛ حيث يقال إنه ساعدها بتخفيض قيمة الدين للناتج العام؛ ما يسمح لها بدخول الاتحاد حسب معاييره، وذُكر أن أتعابه بلغت 300 مليون دولار أمريكي. ويُذكر أن التنفيذيين في الشركات التابعة لمجموعة (جولدمان ساكس) معرضون للتحقيق. ومما أُثير في الإعلام الاقتصادي الأمريكي شكوك حول أحد التنفيذيين كان يعمل في المجموعة، وأصبح فيما بعد المستشار الخاص لوزير الخزانة الأمريكي الحالي (تيموثي غارتنر)! حتى وزير الخزانة السابق (بولسون) لم يسلم؛ حيث اتُّهم بعلمه بهذه المخاطر المكيدة، ويُرجَّح أنه كان شريكا عبر صلة قرابة في ذلك وفق ما ورد في (The New York Times). ومحور المخاطر التي نشأت كانت لحظة بدء مبيعات منتج معروف باسم (CDO)، أصول مضمونة مركبة، وهبط السهم لحظة صدور التهمة من 185$ إلى 157$ في جلسة واحدة، وأفسد شهية المستثمرين.
حتى بنود القوائم المالية لديها أصابع اتهام
نلاحظ في الجدول البياني أن العمليات الاستثمارية كانت في قمتها 2007م، تلا ذلك عامان كان النشاط متدنيا فيهما، وهذا يدل على علم مسبق بمخاطر المنتجات لديه قبل عام من ظهور الأزمة المالية. أيضا يوضح الجدول أن الأصول التي تم بيعها بلغت 148.1 مليار دولار أمريكي كانت في أوجها؛ حيث قام بتنظيف المكان وإخلاء المسؤولية. وبالنسبة إلى الأرباح الصافية من بيع المنتجات الاستثمارية (النشاط التشغيلي) تمكَّن البنك من تحصيل 11.5 مليار دولار، في حين لم نجده في قائمة الخاسرين 2008م (عام الأزمة)، بل تمكَّن من تحقيق أرباح بقيمة 2.3 مليار دولار. أما في ديسمبر 2009م فبلغت أرباحه الصافية 13.3 مليار دولار؛ حيث استفاد كثيرا من الشراء بنهم في أسواق الأسهم وبأسعار مخجلة، خصوصا الأمريكية منها، وحقَّق أرباحا رأسمالية بعد الارتداد الجاري، ولا يزال ينمو، والتحقيقات جارية في أوروبا وأمريكا.