«ليس هناك اليوم ما هو اخطر من نجاحات الأمس» نعم، فلم تعد تلك النظريات والأفكار التي تضمنتها كتب الإدارة على مدى القرن الماضي في مجتمع التغيرات السريعة المتلاحقة، مجتمع المعلومات والتكنولوجيا، مفيدة وحدها في إدارة منظماتنا العامة والخاصة، فنحن نتعامل مع مجتمع المعلومات والتكنولوجيا، مجتمع المعرفة، مجتمع ينتج من المعلومات خلال ساعات ما كان ينتج سابقاً في سنوات.
لقد كان هرم تسلسل الرئاسات الذي يتربع رئيس أو مدير المنظمة على قمته, وتقع تحته قوى الإنتاج الفعلي عند قاعدته, كان هذا الهرم هو الشكل الأمثل لإدارة أي نشاط خلال عصر الصناعة. هذا الهرم بدأ يتخلخل, وبدأ الذين يتربعون على قمته يشعرون بالقلق, فالذي يجري يختلف تماماً عما تعودوا عليه على مدى عشرات السنين.
منظماتهم تناقصت أرباحها وتعددت مشاكلها, وبدأ بعضها يحقق خسارات غير مسبوقة، لهذا, بدأ البحث والتفكير والسعي إلى اكتشاف طرق جديدة والتوصل إلى ما يعيد التوازن إلى منظماتهم وشركاتهم.
وقد استفادت المنظمات والمؤسسات الذكية ثمار ما أنفقته, واستفادت من الأفكار التي توصل إليها علماء المستقبل, فأعادت بناء نفسها من نقطة الصفر, مستعدة لدخول المجتمع الجديد, في أحسن وضع ممكن.
وعندما شعرت بعض الحكومات والمنظمات العامة بان الخلل الذي أصاب إدارة منظمات القطاع الخاص وخاصة المنظمات الاقتصادية يلحق بأجهزتها الإدارية, استفادت من جهد وبحث هذه المنظمات، وبدأت تعيد ترتيب كيانها بما يتفق واحتياجات المجتمع الجديد.
فالتنظيمات الإدارية السابقة، والتي ما زال الكثير يتمسك بها حتى الآن نبعت من طبيعة واحتياجات المجتمع الصناعي, وتشكلت وفقاً لخبرات علماء الإدارة على مدى عشرات السنين من عمر المجتمع الصناعي.
إلا أن هذا المجتمع الصناعي ذاته قد بدأ يتداعى, ويتخلى عن مكانته لمجتمع جديد, هو مجتمع المعلومات، والتكنولوجيا, وهذا يقتضي أن نفهم جيداً المبادئ والأسس التي يقوم عليها المجتمع الجديد, حتى نستنتج أفضل الأشكال الإدارية للتعامل معه.
لقد اجتهد علماء المستقبل وعلماء الإدارة في محاولة تصور شكل الإدارة المفيد في المجتمع الجديد، فطرحوا أفكارهم واقتراحاتهم التي يمكن أن تساعد في مواجهة الموقف، لقد اكتشفوا أن المطلوب وبشكل عاجل «إعادة ابتكار أو اختراع المؤسسة والحكومة»، أي إعادة النظر في الأهداف الأصلية للمنظمة وطبيعة نشاطها والهيكل الإداري الذي نعتمد عليه.
يقول جون ناسبيت: «إعادة اختراع أو ابتكار كان حلاً طبيعياً. وإذا كنا نحن كمجتمع نسعى إلى أن ننجح في إعادة اكتشاف أنفسنا, من الأسرة إلى المجتمع فلا بد أن نبنى ذلك على أرض اقتصادية صلبة».
ويضيف ديفيد اسبورن صاحب الكتاب الشهير «إعادة اختراع الحكومة»: «إدارة القطاع العام مثل إدارة القطاع الخاص قادرة على التكيف مع روح العصر وإعادة اختراع نفسها»، ويقول أيضاً: «إذا كانت الإدارة الحكومية مطالبة بالتطور في كل وقت، فإنها أحوج ما تكون إلى إعادة تشكيل نفسها واختراع حكومة جديدة في هذا الوقت بالذات، حكومة قادرة على المنافسة، ليس بينها وبين القطاع الخاص، بل والمنافسة مع القطاع العام، فالهدف الأهم هو المنافسة».
ويقترب عالم المستقبل الفين توفلر أكثر من تفاصيل الموضوع فيقول: إن المنظمات المناسبة لزمننا لابد أن تكون «منظمات دائمة التكيف» ولهذا فهي تحتاج إلى نوع جديد من القيادات، إنها تحتاج إلى «مديري تكييف» يتزودون بمجموعة كاملة من المهارات الجديدة والمتعددة الجوانب التي تساعدهم على التكيف السريع.
الحكمة في قول توفلر واضحة, فنحن في زمن التدفق المتسارع للمعلومات والمعارف وسالتكنولوجيات المتطورة, وهذا يؤثر بشكل كبير على أي نشاط، مما يقتضي من أصحاب هذا النشاط أن يعيدوا النظر في مجمل وتفاصيل نشاطهم, وبشكل دوري, على ضوء ما تغير في البشر نتيجة لتغير المعارف.
ويحذر توفلر أولئك الذين يتجاهلون التغييرات الهائلة التي تحدث من حولهم, ويريدون أن يمضوا فيما كانوا فيه, مكررين ما كانوا يفعلونه في الماضي, فيقول: «عندما تجتاح المجتمع والاقتصاد مثل هذه الموجات العظيمة من التغيير, يكون مصير المديرين التقليديين, الذين تعودوا الخوض في المياه الآمنة, أن تلفظهم شركاتهم، فعاداتهم التي مارسوها على مدى حياتهم، والتي ساعدتهم على النجاح، تصبح اليوم عقبة أمام الإنتاج والتطور، ونفس الشيء ينطبق على المنظمات الاقتصادية, نوع الإنتاج والأشكال التنظيمية التي ساعدتها في الماضي على النجاح غالباً ما يثبت فشلها اليوم. لهذا, فالقاعدة الذهبية للبقاء تصبح «ليس هناك اليوم ما هو أخطر من نجاحات الأمس».
alaidda@hotmail.com