تأليف - روبرت ج. اسلز، ونيتن نوهريا
ما الذي يدفعنا إلى البحث عن مفاهيم وأساليب ولغة إدارية جديدة؟
وما الذي أدى إلى شيوع مفاهيم مثل التمكين وإعادة هندسة الشركة والكفاءة الصميمية؟
إن ظاهرة شيوع المفاهيم الإدارية المختلفة في أوساط الأكاديميين والإداريين ورجال الأعمال وفي لغة الإعلام تكاد تغطي كافة نشاطات المنظمات المعاصرة؛ من الاستراتيجية إلى التنافس وقياس الأداء ومن رضا العملاء إلى التطوير التنظيمي. ولعل التفسير الوحيد لهذه الظاهرة هو ذلك التغير الهائل الذي يجتاح بيئة الأعمال العالمية ومحاولة استشراف آفاق المستقبل، ذلك التغير الذي يمكن تحديد بعض ملامحه فيما يلي:
الاقتصاد الكوني
تشير الأرقام وانقلاب موازين الفائض والعجز التجاري إلى دخول لاعبين جدد إلى حلبة المنافسة الحادة والتى تدور رحاها في عالم اليوم. ومن هؤلاء اللاعبين اليابان وكوريا وتايوان وسنغافورة. فلم تعد الشركات الأوروبية والأمريكية تتصدر قائمة أكبر الشركات الصناعية في العالم، بعد أن انتقلت الزعامة إلى اليابان. ولعل انهيار الاتحاد السوفييتي وظهور السوق الأوروبية الموحدة لدليل دامغ على التحول للاقتصاد الكوني.
اقتصاد المعلومات
تحول الاقتصاد الكوني الجديد من سوق تهيمن عليه الصناعة إلى سوق جوهرة المعرفة والمعلومات.
وهذا يعني تحولا من سيطرة المواد الخام والصناعة الثقيلة إلى سيطرة الموارد الذهنية غير الملموسة والتي تشمل التنافس حول الوقت والمعلومات وجودة الخدمات. وبذلك فإن تقنية المعلومات تلعب دورا محوريا في مجتمع ما بعد الصناعة.
اضطراد التغيير
من الدلائل التي تؤكد عمق المأزق الذي تعيشه الإدارة اليوم، ذلك التسارع الحاد والمضطرد في مسار التغيير. لقد أضحت دورة حياة المنتج قصيرة إلى درجة مثيرة، كما أصبحت نوافذ الفرص المتاحة في السوق العالمية تشرع وتغلق بسرعة تعادل أحيانا سرعة الضوء. وهذا يؤكد أن الوقت كثروة ومجال للتنافس أصبح أمرا ضروريا لتحقيق قصب السبق.
حركة العقول والمعرفة
تشكل الاتجاهات الديموجرافية الجديدة أحد العوامل الكامنة وراء التغير في المنظمات. ففي الماضي كان صاحب العمل يملك المصنع ورأس المال ومن ثم يحتوي العاملين تحت مظلته. أما اليوم فإن المصنع هو العقل ورأس المال هو المعرفة، مما يعني أن انتقال الموظف من مكان لآخر، هو انتقال لجزء من رأس المال. وهذا مؤشر على أننا انتقلنا أيضا إلى مجتمع ما بعد الرجل الرأسمالي.
الأسباب السابقة أدت إلى البحث عن مفاهيم إدارية جديدة. وهذه المفاهيم ليست مجرد مصطلحات أو كلمات، فمهما ارتقت الكلمة في بلاغتها، فإن قيمتها لا تنبع إلا من استخدامها وتحويلها إلى فعل وأداء.
وابتداء من هذه اللحظة يمكنك أن تنظر إلى تلك المفاهيم بمنظار جديد. لأنها تشكل عالمك الذي تتحرك فيه.
البلاغة: قوة الكلمة
هل دار بخلدك يوما ما أن اللغة هي صميم الإدارة، وأنها تشكل عالم المدير؟ إن أي قرار يتخذه المدير لا يمكن أن ينفصل عن اللغة، بدءا من وضع الخريطة التنظيمية ومرورا بتحفيز المرؤوسين وانتهاءً بكتابة أو قراءة التقارير وتحليل موقف المنافسين. لكن أغلب المديرين لا يفكرون بهذا المنطق، فلا يعيرون لغة الإدارة أهمية تذكر، وينظرون للكلمة على أنها مجرد خلفية أو إطار لما يجري داخل المنظمة، بل إن الكلمات قد تتراجع في منظور هؤلاء لتصبح مجرد ضجيج يتردد صداه في جنبات المنظمة. والحقيقة أن اللغة أكثر من إطار أو خلفية للعمل، بل إن التفكير العميق في الطرق التي توظف فيها البلاغة في منظمات الأعمال اليوم، هو الخطوة الأولى التي يجب على المدير أن يخطوها لكي يدرك طبيعة الدور المناط به.
إن الدول التي تخلف فيها التعليم تخلفت لغتها، والدول - وكذلك المنظمات - التي تخلفت لغتها تخلفت إدارتها. والدولة التي تتخلف إدارتها تتخلف حضارتها وتخرج من التاريخ. أما الشركة التي تتخلف إدارتها فإنها تخرج من السوق.
اللغة والإدارة
إن الوظيفة الأولى للغة أو خطاب الإدارة هي إقناع الأفراد برص الصفوف وتوحيد الجهود لتحقيق أهداف ومن ثم رسالة المنظمة. كما أن أغلب ما يقوله المديرون يرمي إلى رسم صورة هادفة للواقع وإقناع العاملين بها. قد تكون الصورة المرسومة من قبيل - العميل دائما على حق - اقترب من العميل- تحول من التنظيم الهرمي إلى التنظيم الشبكي- تحول من الإدارات الوظيفية إلى إدارة العمليات…الخ.
ولعل «توم بيترز» مؤلف كتب البحث عن التميز، الازدهار رغم الفوضى والإدارة المتحررة، يعد واحداً من أنجح خبراء الإدارة في إخضاع البلاغة للإدارة. لقد نجح «بيترز» من خلال كتبه ومقالاته الصحفية وعروضه التلفزيونية وندواته الإدارية في بناء إمبراطورية بلاغية تركت بصماتها على الممارسات الإدارية في العالم بأسره. حيث بدأ المديرون بالتقاط رسائله البلاغية وإعادة بثها لإقناع العاملين داخل المنظمة بالتصرف وفقا لطرق جديدة.