من الإنصاف الإشارة إلى التوسع المطرد التي تشهده مدينة بريدة ما يؤدي إلى تضاعف مهام ومسؤوليات أمانة القصيم،...
.... ومن العدل الأخذ في الاعتبار اتساع المدينة وزيادة سكانها وكثرة احتياجاتها، لكن هذا لا يعني أن نتغاضى عن أوجه التقصير ومكامن القصور في أداء الأمانة وأقسامها، فالمدن تقوم في تنظيمها وخدماتها على بلدياتها بل إنه يمكن القول إنك إذا أردت أن تعرف أي مدينة فاسأل عن أداء بلديتها، فالخدمات البلدية هي المؤشر الحضري للمدينة أو المحافظة، والبلديات هي التي تستطيع بحكم صلاحياتها وموازناتها ومهامها أن ترسم الوجه الحقيقي للمدينة، والحق أن أمانة القصيم تعمل جاهدة إلى تطوير مدينة بريدة والسعي إلى التعبير عن المكانة التي وصلت إليها سكانياً وعمرانياً وتنموياً، غير أن هذا السعي والعمل ليس بالضرورة أن يؤدي إلى النتائج المتوخاة والمطلوبة بل إنه في بعض الأحيان يتحول إلى عامل سلبي خاصة إذا ارتبط بعدم التخطيط المنهجي وغياب الرؤية المستقبلية الواضحة وأصبح قائما على الاجتهادات والتجريب والمحاولة، والواقع أن أداء أمانة القصيم يمكن أن يوصف بهذه الصفات في كثير من جوانبه، وحتى لا يكون الكلام جزافاً فسأتناول أمثلة تؤكد غياب الرؤية المنهجية لأعمال الأمانة وتعكس درجة من فقدان آليات التنفيذ الواضحة، وقد كان من المؤمل أن يكون المجلس البلدي بأعضائه المنتخبين والمعينين سنداً للأمانة في أداء مهامها بصورة مهنية ومنهجية غير أن الزمن أثبت أن المجلس تحول مع مرور الوقت إلى إدارة من إدارات الأمانة، بل إنه بدا في أكثر من موقف مبرراً ومدافعاً عن أوجه القصور ومواطن الخلل في أداء الأمانة، ويكفي أن أشير إلى ظهور أو بتعبير أدق تزايد ظاهرة كتابة الخطابات والمعاريض بين سكان بريدة للبحث عن الخدمات البلدية، فالطبيعي والمنطقي وفق أبسط الأسس الإدارية والتخطيط الإداري الاستراتيجي أن لا يحتاج المواطن إلى الكتابة أو مراجعة البلدية لطلب إنجاز خدمة عامة سواء سفلتة شارع أو ردم رصيف أو تطوير حي، فهذه الخدمات العامة هي صلب وأساس مهام مسؤوليات الأمانة وبلدياتها، وبالتالي فإن من الخطأ أن يكون إنجازها مرتبطاً أو معتمداً على مطالبة من مواطن، فهي حق عام كفلته الدولة للسكان وليس أمراً شخصياً يحتاج المواطن إلى ملاحقته والسعي وراءه، وهذا للأسف ما يحدث؛ فتطوير حي أو سفلتة شارع أو تحسين طريق يحتاج من السكان المعنيين إلى كتابة عريضة ومراجعة المسؤول في الأمانة، بل إن هذا الأمر أصبح تقليداً إدارياً راسخاً في إدارات الأمانة حتى إنه إذا قُدر لك وقمت بزيارة إلى إحدى إداراتها للسؤال عن موضوع يرتبط بخدمة عامة للحي الذي تسكن فيه فإن الموظف سيطلب منك كتابة خطاب وإذا رأى فيك ضعفاً في التعبير فإنه سيُملي عليك الصيغة التي لابد وأن تتضمن عبارات تحمل معاني الرجاء والتكرم، ومن ثم يقوم باستلام الخطاب وتسجيله في دفتر الوارد بوصفه معاملة، ما يؤكد أن هذا الموظف اعتاد على هذا الإجراء بل ربما اعتقد لحداثة تجربته أن الأصل في استكمال الخدمات أن تبدأ بطلب من السكان.
وهذا الأمر يؤكد غياب الخطة المستقبلية والمنهجية الإدارية الواضحة وبالتالي فقدان المعايير والضوابط المحددة للأداء والتنفيذ، إذْ لا يوجد في الأمانة جَدْولة واضحة لتطوير الأحياء وسفلتة الشوارع وخلافه، بمعنى أن الأمانة لا تقدم للمواطن إجابة واضحة حول إيصال هذه الخدمة أو تلك لهذا الحي أو ذاك، وإنما الإجابة المعتادة هي أن التطوير سيشمل هذا الحي مستقبلاً وحينما تسأل عن الموعد التقريبي لهذا المستقبل لن تجد إجابة واضحة، ما يعني غياب التخطيط الاستراتيجي في أعمال الأمانة، مع أن الأمر لا يحتاج إلى اختراع أو ابتكار فوضع معايير وضوابط ومحددات للإنجاز المستقبلي وفق الموازنات المرصودة أمر سهل وميسر وهو من أبسط أبجديات العمل الإداري السليم، فالمفروض في الأمانة أن تضع محددات ومعايير عادلة وموضوعية تعلنها للمواطنين وتكون بمثابة موجهات لعمل الأمانة خاصة فيما يتعلق بتطوير وسفلتة الأحياء، فليس من العدل أن تقوم الأمانة بتطوير وسفلتة حي جديد محدود السكان في حين تتجاهل وتهمل أحياء أخرى تفوقه في عدد السكان وفي تاريخ الإنشاء، كما أنه ليس من المنطق أن تقوم الأمانة بتطوير شارع تجاري في أحد الأحياء بينما تهمل تطوير طريق أكثر أهمية منه، ويمكن الاستشهاد في هذا المقام بالتطوير الذي حصل في حي سلطانة الشمالي على الرغم من حداثة عمرانه ومحدودية سكانه في حين أهملت البلدية أحياء أقدم منه وأكثر سكانا مثل حي الروضة، بل إن حي الروضة يعتبر من أقدم الأحياء بمدينة بريدة ومع ذلك لم ينل ما يستحقه من التطوير وعلى هذا المثال تستطيع قياس الكثير، وطبعا أسوق هذا المثال للاستشهاد وليس اعتراضاً على تطوير حي سلطانة الشمالي فهذا حق للسكان لا جدال فيه، والمشكلة الأخرى المرتبطة بالتطوير والسفلتة تتعلق بالجودة، فالملاحظ أن بعض - قلت بعض - الشوارع والطرقات التي تشملها السفلتة الجديدة تظل تعاني من وجود الحفر والمطبات والتعرجات رغم تجديد سفلتها وتطويرها وهو أمر يرتبط ربما بالتراخي أو عدم التشديد على متعهدي التنفيذ بتطبيق مواصفات ومعايير الجودة والإتقان.
موضوع آخر يستحق التناول في أداء الأمانة وهو التركيز على الجانب الاستثماري وكأن وظيفة الأمانة الأساسية هي الاستثمار على الرغم من أن البلديات وبحسب ما يقوله الموقع الإلكتروني للأمانة تتركز أعمالها في المهام ذات الطابع الخدمي كنظافة المدينة وصيانة المنشآت العامة وزراعة وتجميل المدينة والحفاظ على الصحة العامة والتخطيط المدني ورسم الطرق والدراسات العمرانية، والواقع أن المرء يحتار في الطريقة التي تدير فيها الأمانة استثماراتها، فالواضح أن الأمانة تتعامل مع الأراضي التي تملكها بعقلية استثمارية بحتة لا مكان فيها لمصلحة المدينة الهندسية أو المرورية، فهناك الكثير من المواقع سواء في الشوارع أو الميادين كالمنعطفات الصعبة والمساحات الضيقة التي تحتاج إلى معالجة وحلول جذرية وأحد الحلول السهلة والميسرة والنظامية أمام الأمانة هي نظام المقايضة المعمول به في جميع الأمانات والبلديات، ويمكن للأمانة من خلال هذا النظام إيجاد حلول للكثير من المشاكل المرتبطة بمشاكل المواقع وهندستها، من ذلك الخلل الهندسي الواضح الناتج عن تقاطع طريق الملك فهد بشارع الثمانين في حي مشعل، فهذا التقاطع ونتيجة التباين في اتساع وعدم تقابل الجهة الجنوبية مع الجهة الشمالية لطريق الثمانين أصبح مركزاً لعدد من الأخطاء الهندسية والمرورية، وهو أمر ليس للأمانة دور في وجوده في هذا الوقت لكنها بالتأكيد تستطيع أو هي مطالبة بإيجاد حلول ناجعة لتقاطعاته المختلفة، فالقادم من طريق الملك فهد شرقاً قاصداً الجهة الشمالية من طريق الثمانين سيجد صعوبة في الاتجاه إلى المسار الأيمن ويتوجب عليه أن يصل إلى الإشارة والوقوف عندها متجاوزاً بداية طريق الثمانين ومن ثم الانعطاف إلى اليمين، والمحير في الأمر أن الأرض الواقعة على اليمين من هذا المنعطف معروضة للبيع وأحسب أن على الأمانة أن تعمل ما في وسعها لكي تضع يدها على هذه الأرض لاستخدامها في توسعة الطريق وفتح مسار أيمن يسهم في عدم الاكتظاظ المروري عند الإشارة، وربما يكون نظام المقايضة الحل الجاهز أمام الأمانة وبدلاً أن تطرح جميع أراضيها للاستثمار فإن عليها أن تسعى إلى امتلاك هذه الأرض وأمثالها من الأراضي التي يمكن عن طريقها معالجة الكثير من مشاكل الطرقات العامة. والمتأمل في الكثير من المشاكل الهندسية والتخطيطية المرتبطة بالطرق يجزم أن حلها بيد الأمانة بشرط أن تعمل على تغليب مصلحة المدينة وجمالياتها ونموها الحضري على الهاجس الاستثماري، والحديث عن الاستثمار يقودنا إلى استثمار الأمانة في الإعلانات؛ ففي الوقت الذي انتهت فيه العاصمة الرياض من إزالة لوحات الإعلانات الحديدية المنصوبة في الطرقات لاعتبارات تتعلق بالسلامة والشكل الجمالي، سجلت مدينة بريدة تزايداً ملحوظاً في هذا النوع من اللوحات، ولم يقتصر الأمر على ذلك وإنما تجاوزه لاستخدام أعمدة الإنارة في الأرصفة الوسطية في الشوارع الرئيسة لهذا الغرض دون اعتبار للأشكال العشوائية وربما الأخطار المرورية. إن على الأمانة أن تراجع رؤيتها وفلسفتها في مجال الاستثمار بما يحقق التوازن بين مصلحة المدينة المرورية والهندسية والجمالية وبين الاعتبارات المادية والإيرادات.
نقطة أخيرة أرى أهمية الانتباه لها وهي المتعلقة بالأراضي الممنوحة للقطاعات الحكومية، فغياب الرؤية والتخطيط الاستراتيجي المستقبلي لأعمال الأمانة الذي أشرت إليه في بداية هذا المقال يتضح بجلاء في هذا الأمر، فالعمل على تجميع مباني القطاعات الحكومية الدائمة في أماكن محددة ومتقاربة يلقي بآثاره السلبية على الازدحام والكثافة المرورية، ففي طريق علي بن أبي طالب وعلى مساحة لا تتجاوز الثلاثمائة متر، باركت الأمانة إنشاء سبع مباني للقطاعات الحكومية ما تسبب في زحام وكثافة مرورية خاصة وأنها تقع إلى جانب سوق «العثيم مول» الذي يتبع لأملاك الأمانة، والواقع أن المرء يتساءل عن غياب وظيفة التخطيط المدني ورسم الطرق والدراسات العمرانية التي تعتبرها الأمانة من أساسيات عملها، وربما يقول قائل: إن هذه الأراضي تم منحها للقطاعات الحكومية منذ سنوات بعيدة وقبل النمو الذي شهدته المدينة، وأن القطاعات الحكومية لم تقم بإنشائها إلا في السنوات الأخيرة، والإجابة أن الأمانة بإمكانها ومن واجباتها أن تسعى مع القطاعات الحكومية الأخرى ومن خلال دعم إمارة المنطقة إلى نظام المقايضة والإبقاء على هذه الأراضي لأغراض أخرى، والمعضلة القادمة أن الأمانة تعمل على إعادة نفس المشكلة في موقع آخر من مدينة بريدة وتحديداً في الجهة الشرقية من طريق الملك عبدالله في المسافة الواصلة مابين دوار «الكورة» وتقاطع طريق النهضة، فهناك عدد من القطاعات الحكومية التي شرعت في تنفيذ مقراتها الرئيسية ومن المتوقع أن تبدأ قطاعات أخرى في المستقبل القريب تنفيذ مشاريعها، وإذا أضفنا إلى ذلك الحركة التجارية المتنامية في هذا الطريق فسنكون في المستقبل أمام كثافة مرورية بالإمكان تلافيها من الآن، فالمفروض أن تدخل الأمانة في نقاشات جادة مع القطاعات الحكومية صاحبة هذه الأراضي على أن تكون المصلحة العامة هي الحاضرة في النقاش، فليس من المنطق أن تتركز القطاعات الحكومية الخدمية والتعليمية في موقع متقارب في حين أن الأمانة تملك مواقع أخرى وإن كانت تبدو بعيدة في اللحظة الآنية إلا أنها الخيار الأفضل والأصلح على المدى القريب والبعيد.
إنني أكتب هذه السطور وأنا أستحضر مستوى النزاهة والإخلاص اللذين يتمتع بهما مسؤلو الأمانة وموظفوها غير أن هاتين الصفتين يحتاجان معهما إلى رؤية تخطيطية ومنهجية إدارية شاملة تضع في حسبانها كل العوامل والمؤثرات المرتبطة بأعمال البلديات وخدماتها، ثم إن المقيم في بريده لا تهمّه كم عدد البلديات الفرعية في مدينة بريدة بقدر ما يهمه مستوى وجودة ونوعية الخدمات البلدية التي تقدمها الأمانة وترتقي من خلالها بمستوى المدينة ونموها.