في ظهر يوم الجمعة التاسع من شهر جمادى الأولى انتقل إلى رحمة ربه - إن شاء الله - فضيلة العم الشيخ أحمد بن علي آل مبارك عميد أسرة آل مبارك، ومع أن الموت هو القادم الذي لا شك في وصوله والغائب المحتم لقاه، ومع أن الإيمان بقضاء الله الذي لا يُرد وقدره الذي لا يُحد يعمر قلب المؤمن إلا أن ذلك لا يمنع الشعور بصدمة الحدث وبلاغة الجرح وألم المصاب، ومن بين مواجع الدهر يبرز الموت أشدها ألماً وأكبرها فجيعة؛ لأنه السفر الذي لا عودة منه والفراق الذي لا لقاء بعده في هذه الدار، وبقدر مكانة الفقيد في نفوس أهله وذويه ومعارفه تتسع دائرة الألم ويزداد عمق الجرح، لذلك فإن مصاب أسرته ومحبيه مصاب جلل وجرحهم لفقده طويل أجل، فالفقيد عميد في أسرته وعلم في مكانته وتفرُّدٌ في طموحه ومكافحته، لقد سعى إلى المعرفة في أوسع أبعادها عندما كانت البدايات الأولى منها والخطوات القصيرة إليها نهاية مطمع الطامعين وغاية أمل المؤملين في محيطه والمجتمعات المجاورة لمجتمعه، لقد سعى إليها في أبعد مظانّها عندما لم تكن هذه المظان مما يتيسر الوصول إليه إن لم تكن مما يتعذر، ولكن ما يعتلج بذهنه من مطالب وما يتقد بداخله من أشواق كان كافياً لتخطي العقبات والتغلب على الشدائد.
لقد أنفق جزءاً من عمره في طلب غايته على شُحِّ العطاء وشظف العيش ومعاناة الاغتراب ولم يعُد من مهمته إلا بعد أن أنجزها بحصوله على أعلى الإجازات فيما يمنح منها، على أنه مما يضاعف الحزن أنه في شرقنا العربي وقد يكون في عالمنا الإسلامي أنه يجيء ذو التميز وكأنه لم يولد ويعيش وكأنه لم يوجد ويموت وكأنه لم يعش، فإذا اختطفته يد المنون انطلقت العواطف المحبوسة وسالت الأقلام التي كانت جافة ولم يزد ذلك على دمعة بكاء أو كلمة رثاء.
لقد تعود الناس وألفوا أن يطلبوا للثاكل ومن الثاكل الصبر والسلوان، ولكن إذا كان مما يجوز أو يجب أن يطلب من الثاكل الصبر فهل يجوز أن يطلب السلوان ممن فقد عزيزاً رحل أو حبيباً انتقل.
إذا كان من يعرف الفقيد في محيطه وخارج محيطه خلق كثير فإن قليلاً منهم من يعرف ما تنطوي عليه جوانحه من مخزون ألم من واقع أمته، وكم هي أليمة معاناة من يعايش الواقع العربي محدّقاً فيه مسائلاً له مشترطاً له ومشترطاً عليه.
خلف الله الفقيد على ذويه بصلاح عقبه وأن يفرغ عليهم جميل الصبر ويهبهم جزيل الأجر وأن يخلفهم عليه بظلال رحمته وواسع مغفرته والأكرمين من ملائكته يدخلون عليه من كل باب سلام، والله غالب على أمره ولا حول ولا قوة إلا به.