كافة التقارير الاقتصادية والسياسية بما في ذلك تلك الصادرة في الولايات المتحدة الأمريكية أو دول أوروبا، تؤشر على أن قيادة الاقتصاد العالمي قد انتقلت أو هي في طريقها للانتقال من الغرب إلى الشرق، ممثلاً في الصين والهند وبدرجة أقل إلى ما عُرف بالنمور الآسيوية.
المفارقة، أن عدد الطائرات والبواخر القادمة إلى بلادنا والمغادرة إلى أمريكا وأوروبا لا تزال أكبر بكثير من تلك التي بيننا وبين دول شرق آسيا، مع أن تجارتنا مع دول آسيا ربما فاقت في بعض القطاعات تجارتنا مع الغرب.
المراقبون الاقتصاديون وحتى السياسيون يقترحون تعزيز علاقتنا بدول الشرق المرشحة خلال السنوات العشر القادمة بقيادة اقتصاد العالم، والتي ستستهلك الكثير من ثروتنا النفطية والبتروكيماوية، والتي تملك احتياطات نقدية من العملات الأجنبية والذهب ما يكفي لزعزعة أي استقرار اقتصادي لدول الغرب، والتي يسكنها أكثر من بليونين من البشر تشكل في حد ذاتها قوة استهلاكية لأي منتجات محلية.
وبالتالي فإن استقبال خادم الحرمين الشريفين للمسؤول الفيتنامي على رغم تواضع تأثير فيتنام في الاقتصاد العالمي يصب في هذا السياق، كما أن زيارة الأمير سلمان إلى الهند والتي تكمل زيارة سابقة لخادم الحرمين الشريفين، والزيارات المتبادلة بين الطرفين وبغض النظر عن جدول أعمالها لهي دليل نضج للسياسة الخارجية السعودية، واستشراف صحيح وواع لمستقبل الاقتصاد العالمي الذي أصبح بلا شك ربان السياسة، وتحليل معمق للتجاذبات السياسية والعسكرية التي لم تَحُلْ فيها علاقتنا المميزة بباكستان دون تعزيز العلاقة بدولة كالهند.
ويتمنى المراقبون في بلادنا أن يحذو الوزراء حذو الأمراء، فيديروا دفتهم نحو الشرق. صحيح أن لا أحد منهم له ذكريات دراسية في مشرق الشمس كما هو الحال في مغربها، أو أن لغة القوم تعيق تواصلهم، لكنها المصلحة الوطنية العليا التي تستحق شيئاً من العناء.
من الجدير بالذكر في هذا المقام أن تعزيز العلاقات بين الدول لا يتم بتواصل مسؤوليها فقط وإلا لتم التطبيع بين مصر والأردن وإسرائيل، وإنما بالتواصل بين الشعوب وامتزاج الحضارات وتقبل الآخر، وتبادل الزيارات وكل ما من شأنه التقريب بين الشعوب، مما يعني ضرورة التواصل الممنهج بين المنظمات المدنية في المملكة العربية السعودية ورصيفاتها في دول المشرق، الثقافية والرياضية والتعليمية والصحفية والقانونية والصناعية والزراعية والتجارية والتقنية، كعلوم الحاسوب والطاقة النظيفة واقتصاد المعرفة، وكل ما له علاقة بتنمية الموارد الطبيعية والبشرية، لتقوم بدورها في تدعيم العلاقة بين الحكومات خاصة عند الأزمات.