هناك خلاف وتنافس بين عدد من المدن التركية الآن لكونها تسعى جميعها، إلى جعل مدينتها موطن الشاعر الإغريقي الشهير (هوميروس) مؤلف ملحمتي (الألياذة والأوديسة) فعمدة مدينة برونوفا أطلق على أحد أوديتها (وادي هومورس) لربط المدينة بالشاعر إلى الأبد، على حين تستعين بعض البلدات الاخرى في (أزمير) بخبرة الأركولوجين للتوصل إلى دليل علمي قاطع عبر البحث في طبقات الركام التاريخي الذي تعكسه تلك المنطقة الموغلة في القدم والعراقة، يثبت أن الشاعر الإغريقي قد ولد وعاش فترات من حياته في تلك المنطقة.
بالطبع هذا التنافس في الاستحواذ على اسم (هوميروس) لا أعتقد أن مصدره تقدير الشعر أو الشاعر بقدر ما هو محمل بالهدف الاستثماري، لأنه من الممكن أن تتحول المدينة إلى مزار سياحي عالمي يستقطب الكثير من السياح المغرمين بالتعرف على بواكير التجارب الإنسانية في الشعر، ومواطن قصائد نظمت في القرن الثامن قبل الميلاد، والمفارقة هنا أن كثير من المصادر التاريخية تشكك بأن يكون (هوميرس) هو من نظم تلك الملاحم، فهي لم تدون وكان الشاعر (هوميروس) التي تعكسه التماثيل ضريرا يرتجلها شفاهيا بين يدي العامة، وتحولت لاحقا إلى أبيا ت تدور على ألسنة الرواة، ولم تدون إلا في مراحل متأخرة بعد أن طالها الكثير من الإضافات القادمة من اللاوعي الجمعي المحتشد بالأساطير والآلهة وأخبار الحروب والملوك والأبطال.
وأمام هذا الاحتدام الكبير للفوز بهوميرس، نجد من ناحية أخرى أن خريطة الجزيرة العربية، لطالما كانت موطنا وموئلا لكثير من فحول الشعراء ابتداء من العصر الجاهلي حتى مراحل تاريخية متأخرة فوادي حنيفة كانت مستقرا ومسرحا للشاعر الأعشى وقصائده ومعلقاته الخالدة, فإذا اتجهنا جنوبا واقتربنا من وادي الدواسر فسنقترب عندها من (مملكة كندة) موطن كبير شعراء الجاهلية وأول من وقف واستوقف (امرؤ القيس)، وفي القصيم وعيون الجواء هناك بني عبس ومواطن عنترة الذي افتدى عبوديته بالشعر, ولاحقا أيضا تلك المنطقة أمدت العربية بكبار شعرائها من أمثال (جرير -والفرزدق) اللذين كانا ينتميان إلى قبيلة تميم التي قطنت نجد.
وفي الحجاز حيث وادي عبقر، وحيث كانت تضرب القبة الحمراء للنابغة الذبياني في سوق عكاظ, ومواطن زهير بن أبي سلمى المزني بالقرب من المدينة المنورة، والسموأل، والشنفرى، وسواهم من الشعراء المفلقين.
وما سبق من الأسماء رصدت من باب الاستشهاد وليس الحصر، فالتاريخ يحتشد بالعديد من الأسماء التاريخية التي أثرت ديوان العرب وصنعت مجده وخلوده، ويبقى من هذا كله أن نلتفت لها التفاته جادة ونوقظ تلك الأسماء من سباتها التاريخي، ونحولها إلى رموز ملموسة فوق خارطة سياحية تشير إلى عراقة تاريخ المنطقة وأسبقيتها الحضارية بين أمم العالم، فالمواطن التاريخية من الممكن أن تشكل استقطابا تاريخيا وسياحيا هائلا لجميع الناطقين بالعربية أو المهتمين بتاريخ المنطقة، ولعلنا الآن نتفاءل بجميع البنى التحتية التي تأسست في مدينة الطائف لاستجلاب سوق عكاظ من غياهب النسيان، كخطوة إيجابية كبرى في هذا المجال.