لم يترك لنا الموروث الديني شاردة أو واردة من أقوالنا وأفعالنا إلا وأرشدنا إلى كيفية التعاطي معها والتعامل.
|
تذكّرت هذا الأثر العظيم، ونحن والمجتمع من حولنا يتابع ويستمع، ويشارك أحيانا في الجدل الفكري الذي يدور في المنابر الإعلامية المختلفة. هذا الجدل الحاد الصاخب، أو العنيف في بعض صوره، والذي يشكل بعض العلماء،أو الدعاة، والمفكرين أحد أقطابه يكشف بعض التناقضات التي يعيشها الإنسان مع نفسه، ومع ما يبدو عليه أمام الآخرين من مظاهر السمت، والوقار، والهيبة، وهو خلل كبير بلا شك، يشي عن هفوات وثغرات في مناهج تفكيرنا وسلوكنا.
|
أكثر من رأي، وأكثر من سلوك وموقف خلال أشهر معدودة ألهب الساحات عندنا، وخرج بها عن حدود اللياقة الأدبية، وأوشك أن يستدعى بعض الأقطاب فيه إلى دوائر المحاكمات والمرافعات، وقد أذكى ذلك الصراع ما نوهم به أنفسنا من وجود تيارات منظمة، وقوى مناوئة من بني جلدتنا، تتصيد الزلات والوقائع، وتترصد ما بين السطور من الأقوال. هذه العقدة المتأصلة التي بالغنا فيها أسهمت عوامل كثيرة في ترسيخها، وليس المجال هنا ذكرها، أو الإماءة إليها.
|
إصدار بعض الآراء، أو الأحكام من أي مدرسة، ومن أي تيار يعد في حقيقة الأمر، وفي بعض صوره خروجاً، أو تمرداً غير محمود على نظام المؤسسات والهيئات المشكّلة، وبخاصة إذا صدر ممن ينتمي إلى هذه المؤسسات بصفة رسمية. وتتفاوت هذه الأطروحات، أو المواقف بحجم تأثيرها على الرأي العام في الداخل والخارج، وبقدر ما تخلقه من تأثيرات، أو تداعيات غير محسوبة، الأمر الذي يدعو بعض المؤسسات إلى ضرورة ممارسة الضبط، أو التنظيم الذي لا يحجّم الرأي الحر، أو يعطّل الاجتهاد المندوب إليه، ولكن بمحاولة الإمساك بزمام بعض القضايا الحساسة.
|
إن التأني والتروي، وتحكيم العقل في بعض الآراء والأحكام يجنب الإنسان بعض المواقف التي تفرض عليه قضاء وقت ليس بالقصير، بالتبرير، والتعليل، والتفسير، والإيضاح لما قد يلتبس على الناس، أو يساء تفسيره، أو يحمّل ما لا يحتمل من الوجوه، وأصعب من ذلك كله الوقوف بصورة المدافع، أو ركوب باب الاعتذار والتنازل، وقد يصل الجدل أحيانا إلى حد المهاترات التي لا يجدي معها الاعتذار، ولا يكون مقبولا من صاحبه، وإن عده البعض شجاعة.
|
مواقف تبدو بسيطة، وآراء أحيانا عارضة، يجر إليها السياق، تكلّف الإنسان، وتكلّف المجتمع والدولة الشيء الكثير، وقد يؤول الأمر إلى نزع الثقة، وتمسي بعض الفئات مدعاة للسخرية والاستهزاء، وربما فوتت على المجتمع قبل طارحها بعض مصالحه الدينية والدنيوية، فضلاّ عن زعزعة القيم والثوابت التي نعتز بها، ونعدها من الخصوصيات، شأننا شأن غيرنا من سائر الأمم.
|
ما أسلفناه من حديث، لا يعني أن الاعتذار في مجمله مذلّة، أو مهانة، بل هو من سمات الإنسان القوي بأخلاقه وآدابه، الواثق من حسن تربيته واستقامته، لكنّ وقت الإنسان، لاسيما المسلم أثمن من أن يضيع أمام الرغائب والرغبات، أو أن يهدره أمام الشبه والهوات.
|
|
وللكف عن شتم السفيه تكرّما |
أضرُّ به من شتمهِ حين يشتمُ |
|