كثير من طلاب وطالبات التعليم العام لدى دخولهم التعليم العالي، وخاصة في بداية سنواتهم الجامعية، يعانون من صعوبات عند تعاملهم مع عمليات حسابية بسيطة إلى درجة تدني شعورهم بالإحساس بالعدد،
وزاد هذا المؤشر بشكل لافت للنظر في السنوات الأخيرة؛ مما جعل كثيراً من الباحثين والمختصين يبذلون جهوداً لدراسة هذه الظاهرة الخطيرة بشكل منهجي بما يعين على تحسين العملية التعليمية في مادة الرياضيات لدى الطلاب، ومن أجل تحصيل الفائدة العلمية لطلابنا في هذا المجال؛ فقد رأيت التعريف بمسألة الإحساس بالعدد، مع أملي بأن الجهات المختصة سوف تولي هذا الموضوع بما يستحقه من الاهتمام.
ونقصد هنا الحس العددي بأنه: (الشعور الحسي بالعدد الذي يوجه عملية اتخاذ القرار بذكاء ومرونة حول الاستخدامات العددية. ويعتبر هذا الحس العددي ضرورياً للحياة اليومية، وذلك للحكم على معقولية التقديرات أو الحسابات. وكذلك الحس العددي يمنح الشخص المرونة في الانتقال من تمثيل عددي إلى آخر) (انظر: عثمان السواعي، تعليم الرياضيات للقرن الحادي والعشرين، دار القلم، دبي، 2004). ويعرفه بعض الباحثين على أنه: ذلك الجزء الهام في الرياضيات، والذي يركز على النظام العددي، ويهدف إلى تنمية الإدراك العام لدى الطالب والطالبة للعدد والعمليات عليه، وإدراك حجم العدد ومقارنته بأعداد أخرى، والمرونة في تنمية استراتيجيات متعددة للحساب الذهني والتقدير التقريبي، واختيار العلامة العددية المميزة، كل ذلك يظهر في أداء الطلاب والطالبات من خلال بيئة نشطة وبنية رياضية تتسم بالترابط بين طرائق الحساب المختلفة، بالإضافة إلى التواصل بين الرياضيات المدرسية والمواقف الحياتية (ريم دعيبس، التحديات التي تواجه علم الرياضيات كقوة محركة لتقدم المجتمع «دراسة تطبيقية»، رسالة ماجستير، 2009م).
وبتعريف آخر فإن الإحساس بالعدد هو القدرة على الرؤية البديهية لمعان رياضية وربطها بالعمليات الحسابية بإتقان، والصلة بين الأشياء والقدرة على تجنيد المعرفة والتجربة السابقة لتطوير استراتيجيات حل مختلفة، وكذلك طرق حل متنوعة وإبداء استعداد لتقبل طرق حسابية جديدة. وعُرف أيضاً الإحساس بالعدد بأنه يعود إلى الفهم العام للأعداد والعمليات الحسابية، ويشمل ذلك الميل والقدرة في استخدام هذا الفهم بطرق مرنة من أجل إصدار أحكام رياضية وتطوير استراتيجيات مفيدة وفعالة في معالجة الأعداد والعمليات. كما يشمل انطباعات الشخص عن الحس العددي، وأن الأعداد عبارة عن شيء له وجود ومعنى، وأن الأعداد مفيدة، وأن الرياضيات هي طريقة تفكير منظمة ومنطقية، ويعتبر الحس العددي كذلك ضرورياً للحياة اليومية، وذلك للحكم على معقولية التقديرات أو الحسابات.
لقد حظي الإحساس بالعدد مؤخراً باهتمام كبير في أماكن متعددة من العالم، مثل بريطانيا وأستراليا والولايات المتحدة بشكل خاص، ومنذ صدور وثيقة مستويات المنهج والتقويم الأولى بواسطة المجلس القومي لمعلمي الرياضيات (NCTM 1989)، التي جاء فيها أن تعلم الرياضيات هو نشاط موجه نحو تنمية الحس الرياضي، والذي يعد الحس أحد أشكاله الأساسية، وباستخدام الأنشطة الإثرائية يمكن تنمية هذه المهارات المتقدمة.
إن السبب الرئيسي في تدني مستوى إحساس الطلاب والطالبات بالأعداد يرجع إلى المعلمين والمعلمات، ومن الملاحظ - كمختصين - أن قدرات كثير منهم في التعليم الابتدائي على الملاحظة والاكتشاف والابتكار في مجالات تخصصهم متدنية نسبياً، ويؤكد على ذلك بعض الباحثين بقولهم: (إن المعلمين ما زالوا يهتمون بنقل المعلومات للطلاب، ولا يهتمون بنفس الدرجة بتدريب الطلاب على العمليات العقلية المتضمنة في عملة التفكير) - (رمضان صالح وفاروق السيد، مدى فعالية الطريقة الاستقصائية في التحصيل الدراسي وتنمية مكونات التفكير الرياضي، مجلة اتحاد الجامعات العربية، ع28، 1993م).
وهناك اعتقاد خاطئ بأن معلم الرياضيات متمكن من العمليات الرياضية الأساسية كالطرح والقسمة والكسور، بينما أظهرت الدراسات الحديثة أن ذلك الاعتقاد خاطئ، وأن بعض المعلمين في التعليم العام يعانون من استيعاب المفاهيم الرياضية خلف تلك العمليات والحسابات (انظر: ماهر محمد الغانم، إدراك معلمي المرحلة الابتدائية لمفاهيم الرياضيات الأساسية، أفكار: الجمعية السعودية للعلوم الرياضية، العدد 16، الرياض، 2009م).
إن مستوى الإحساس بالأعداد لدى بعض طلابنا وطالباتنا بالمراحل الدراسية المختلفة يقل إلى درجة عدم الإحساس بها، وكذلك عدم قدرتهم في كثير من الأحيان على إصدار حكم على مدى معقولية الحل. ويؤكد على ذلك ما أكدته نتائج دراسة TIMSS بأن إنجاز الطلاب يرتبط بشدة بمهارة معلم الرياضيات، ونوعية تعليم الرياضيات. ومن الممكن الاستفادة من تجارب بعض الدول العربية، ومنها المملكة العربية السعودية، في معرفة التحصيل الدراسي لمادة الرياضيات للطلاب التعليم العام؛ فقد احتلت المملكة في تحصيل الرياضيات والعلوم بين طلاب الدول المشاركة في (Timss 2003-Timss 2007) مركزاً متأخراً في تلك الدورتين، حيث كان ترتيب طلاب المملكة في (Timss 2003) في الرياضيات في الموقع 43 من بين 45 دولة مشاركة، وبمتوسط تحصيل مقداره 332 وهو أقل من المتوسط الدولي (476) بـ 144 نقطة، بينما كان ترتيبهم في دورة (Timss 2007) في الموقع 47 من بين 49 دولة مشاركة، وبمتوسط تحصيل مقداره 329، وهو أقل من متوسط القياس (500) بـ171 نقطة. (Timss اختبار مقنن في مجال الرياضيات والعلوم وهو أشهر دراسات منظمة (IEA) والتي تهدف إلى قياس مستوى التقدم في التحصيل الدراسي في بعض المواد الدراسية).
ومن هنا نتساءل: ألا تدل تلك النتائج التي أشارت إليها دراسات منظمة (IEA) على أن هناك مؤشرات متدنية في تعليم الرياضيات في مدارسنا بالتعليم العام والتي تحتاج إلى إعادة نظر بشكل سريع؟ وماذا عن برامج التطوير في التعليم العام في مادة الرياضيات على وجه التحديد؛ فلم نشهد أي حالات تغيير تذكر؟
***
* عضو هيئة التدرس في جامعة القصيم
ksapr006@yahoo.com