في الحي الذي أقطنه حفر وردم يومي كبير ومستمر ومنذ أمد طويل كئيب وممل، إنهم يحفرون ومن ثم يردمون بصور روتينية متكررة وفق أجواء غير ذات بهجة ولا سرور ولا حبور حتى تغير شكل.....
.....الأرض وشكل الشارع وشكل الممر، وأنا أتساءل متى تنتهي عذابات هذا الحفر والردم المزعج المخيف، إنني أعتقد أن ورش الحفر والهدم هي الأخطر التي نعاني منها، لأنها بلا بناء ولا ازدهار ولا حلم ولا عمل خارق ولا إنجاز باهر ولا نهاية مشرقة، لأنّ هذه الأعمال جلها مبينة على سياسات ومعتقدات وتنظيمات هائلة تقودها أحزاب المقاولين وتيارات ودعاة ومناصرين لهم، تتم وفقها عملية التغطية والتغييب الكاملة للمعنى الحقيقي الذي ينطوي عليه هذا الفعل الخدماتي، إنهم يحفرون ولا يفعلون شيئاً غير الحفر، تلك هي الخدعة الكبرى التي يجب الوقوف عندها وتأمل دلالاتها وانعكاساتها في حياتنا، حيث صارت ساحاتنا وشوارعنا لها الصفة الأكبر للحفر السيئ والردم السيئ، إن جميع أعمال الحفر والردم المستشرية والتي طالت كل شيء وفق معاول لا تنفك أن تهدأ، لكن المقاولين يظنون ويصرخون من أعلى منابرهم أنهم ينجزون وأنهم يعيدون ابتكار الحياة من جديد!!، ولو اعترفوا فقط بأنهم يحفرون ولا يردمون بشكل حسن سليم لخطونا وإياهم خطوة جدية نحو الأمام، ذلك لأنّ الإقرار بفعل الخطأ فقط هو نقطة الانطلاقة التي يتم الاتفاق عليها ونكون بعدها قد أدركنا منطلقاً مشتركاً حتى وإن اختلفنا في المسارات، المشكلة مع المقاولين أنهم لا يملكون منطلقاً مشتركاً معنا وإن أردنا نحن لأن أغلب المقاولين يتصارعون وفق توجهات وانتماءات مجتمعة على نقطة واحدة هي التي تشكّلت على مدى عقود خلت وهي الإنجاز دون فنيات ولا محسنات ولا إنجازات بديعة، محدثة بعدها الهزات والانهيارات والتشققات وسوء المنظر والمنقلب، من هنا أقول إن علينا أن نبحث عن مقاولين عمالقة وهم كثر شريطة أن يعملوا بأنفسهم وضمن مواردهم البشرية والآلية مباشرة ولا يتعاملوا من الباطن مع مؤسسات صغيرة وغير قانونية وغير بائنة، لأنّ أعمال هؤلاء الصغار غير الواضحين لن تصبح مثل الشمس تشرق فوق الجميع، لأنهم وبحكم الخبرات المتراكمة لدينا غير مؤهلين سلفاً لإنجاز مثل تلك الأعمال التي نريد أن نفاخر بها ويصيبنا بعدها الزهو والتفاخر، إننا لا نريد أن تحوّل هذه المؤسسات الصغيرة أحياءنا وشوارعنا وممراتنا إلى كائنات هامشية ملغاة، لأننا بحكم هذا المفهوم سنعيش في زمن مؤجل، الغايات الكبرى خلاله لا داعي لتحقيقها لأنها أنجزت بشكل ضعيف ولين وبه كساح بائن واعوجاج، إننا الآن نملك الوعي في حواسنا وفي مسامعنا وحتى في مسامات جلودنا في ما نتوقع وما لا نتوقع، ان حاضرنا يجب أن يكون كينونة لا سابق للبشرية بها، نريده نوراً من تحدٍّ وإنجاز عظيم، بعيداً عن الرعب والإزعاج والجنون والبهرجة وموبقات الأعمال للمقاولين الصغار الذين بالكاد نراهم ونحس بهم ونتطلع إليهم.
ramadanalanezi@hotmail.com