صحيح أن نبوءة عالم الاتصال (مارشال ماكلوهان) قد تحققت، وتحول العالم فعلاً إلى قرية اتصالية صغيرة مترامية الأطراف، يعلم كل فرد فيها ما يحدث في أطرافها الأخرى، وذلك بفضل الطفرة التكنولوجية الهائلة في عالم الاتصال، ولكن ماكلوهان لم يتنبأ بأن هذه التكنولوجية قد تتحول في يوم من الأيام إلى نقمة، وذلك بسبب سوء استخدامها من قبل البعض، وتسخيرها لتحقيق أهداف وغايات مسمومة من قبل البعض الآخر. مما لا شك فيه أن أكثر الوسائل تأثيراً في زمننا هذا هي وسائل الإعلام، ولا سيما وسائل الإعلام المرئي، التي تستطيع الوصول إلى أي مكان وفي أي زمان، وتقتحم كل البيوت دون أن يعيقها شيء، ناهيكم عن تأثيرها المباشر في التربية والفكر والتعليم. وقد أصبح هناك سباق محموم، وتنافس غير شريف بين هذه القنوات، ودخل هذا المجال أشخاص غير مؤهلين، بعضهم لا يعلم عن الإعلام رسالته الهامة شيئاً، ويشرف على بعض هذه القنوات أناس غير مختصين، وهدفهم الأول المنافسة السلبية وتسليط الضوء على مواضيع ضحلة وبسيطة لا تمس المواطنين في صميم احتياجاتهم. فإذا ضربنا مثالاً عن بعض هذه القنوات التي تعرض المناسبات المدفوعة الأجر، فسوف نرى الرسائل النصية القصيرة التي تتضمن الشتائم والسب والقذف، بالإضافة إلى التجني على صاحب المناسبة دون وجه حق بدافع الحقد والحسد، الأمر الذي يتنافى مع تعاليم ديننا الحنيف، ويتعارض مع عاداتنا وتقاليدنا العربية والإسلامية المشرفة، وعندما يحاول صاحب المناسبة الاتصال بالقناة ليطالب بحقه يقال له إن هذا أمر يمكن أن يحدث في أي وقت، ولا نستطيع إنصافك أو تسليم الأرقام التي صدرت منها الشتائم لأحد، وهدفهم من وراء ذلك هو الكسب المادي غير المشروع وتوفير الأرض الخصبة للجاهلين وضعفاء النفوس والبسطاء للتناحر فيما بينهم دون رقيب أو حسيب، دون أدنى اكتراث لصورة الإعلام ورسالته السامية والنبيلة، وقد قامت وزارة الثقافة والإعلام مشكورة بإقفال أحد مكاتب تلك القنوات في الرياض بسبب تلك التجاوزات.
ولا ندري هل أصحاب تلك القنوات يجهلون أم يتجاهلون واجباتهم تجاه الوطن والمواطنين وأهداف الأمة، وهل يجهلون طموح أبناء الوطن في المحبة والأخوة الصادقة، وهل المنافسة انحصرت في الإشهار وتأجيج العصبية من خلال تلك البرامج الرديئة. أليس من واجب هذه القنوات وأصحابها التركيز على القضايا المصيرية للأمة، كالتصدي للإرهاب والحفاظ على الأمن ومحاربة المخدرات، كما أن هنالك العديد من البرامج والفعاليات والأنشطة المفيدة والمرموقة التي يمكن تقديمها في وسائل الإعلام، كالشعر العربي بأنواعه، والقصة والأدب الشعبي والموروث الثقافي العربي، ناهيكم عن البرامج الاجتماعية والتثقيفية التي تتناسب مع أهداف وظروف الأمة، وإبراز الصورة الحقيقية للمجتمع السعودي وثقافته العربية الأصيلة، إنها مسؤولية عظيمة فهل يعيها أصحاب هذه القنوات الفضائية.
إننا نناشد وزارة الثقافة والإعلام بأن تراقب تلك القنوات وتقدم المشورة لها، وأن تعاقب وتردع بيد من حديد كل من تسول له نفسه العبث بمقدرات وطننا الغالي، في سبيل توحيد الجهود لإظهار الصورة الحقيقية والمشرفة لمجتمعنا أمام المجتمعات الأخرى.. والله ولي التوفيق.