تؤرقني هواجس كثيرة حيال شباب اليوم، يتقاسمها الحب لهم، والخوف عليهم، والرجاء فيهم، وتتحدث السطور التالية عن بعض مصادر القلق مما يتعلق بحاضر ومستقبل شباب بلادي.
ورغم هذا، أزعم بقدر من اليقين أن هذا الأرق لم ولن يضعني بإذن الله لحظة واحدة على شفا الإحباط يأساً، أو القنوط استسلاماً، فالمستقبل علمه عند ربي، والحاضر في ظل المشيئة الإلهية، مرتبط بما نتصوره نحن البشر ثم نقرره فنفعله، وأرجو أن تكون العاقبة خيراً كلها ونجاحاً.
أخيراً، أنبه نفسي ومن يشاطرني همَّ شباب اليوم بأن قدراً من القلق نحوهم ومن أجلهم مستحبُّ إن لم يكن ضرورياً، ذلك القلق الذي يحفز الخاطر، ويشحذ العقل، وينشط العزم لفعل شيء أو أشياء تدرأ عن هؤلاء الشباب ما قد يعوق نموهم، أو يعطل إبداعهم، أو يوردهم هاوية الإحباط الذي لا حيلة معه، ولا أمل بعده، والعياذ بالله!
* آتي الآن إلى الحديث عن هواجس الخوف على شباب بلادي فأقول:
الهاجس الأول
أوجسُ خيفةً من واقع شباب اليوم ناهيك بمستقبله إذا استمرت منظومة التربية الحالية بمراحلها المختلفة في تصعيد أرقام البطالة بدلا من تخفيضها إلى الحد الأدنى المقبول اقتصادياً واجتماعياً وإنسانياً، وخاصة في ضوء الفجوة القائمة بين الشباب والقطاع الخاص، الذي يشكو بدوره (تمرد) بعض الشباب على شروط وضوابط وظائفه مهنياً وأخلاقياً، يقابل ذلك موقف الشاب تعبيراً عن الشكوى من عدم تفهم رب العمل لظروفه و(خصوصياته) الفردية والاجتماعية!
الهاجس الثاني
وأوجسُ خيفةً على براعم هذه الأمة بسبب إهمال بعض الأسر لواجبها التربوي للطفل في المنزل وخارجه، وإيكال هذه المهمة للخادمة، مروراً بثقافة الشارع بما فيه ومن فيه رموزاً وممارسات! ويزداد الأمر شأناً ويعظم خطراً متى كان الأب في وادٍ والأم في آخر، والابن أو الابنة في وادٍ ثالث، فلا توافق في آلية التربية، ولا وفاقاً لحسم نتائج السلب فيها لصالح السلام الأسري، ليبقى الابن والابنة، كل منهما على حدة، يصْلى نار الشتات والضياع، وقد يضطر إلى التماس (تعويض) لما افتقده في البيت حبًّا ورعاية وتوجيهاً، بدءاً بأصدقاء الظلال الذين (يزينون) له التمرد على كل شيء، وانتهاءً بعفن المخدرات!
الهاجس الثالث
وأوجسُ خيفةً على الشباب لأن مادة (التربية الوطنية) التي علّقنا عليها الآمال فشلتْ، وسيلةً ونتيجةً، في إيجاد (عقْدٍ) من الولاء بين وجدان الشاب وعقله من جهة، وبين وطنه تاريخاً وجغرافية وحاضراً وغداً وطموحاً وهموماً وآمالاً من جهة أخرى، وأخشى أن (الفريق الرياضي) المفضل قد تحول في أفئدة بعض الشباب إلى (وطن) داخل الوطن حباً وحماساً و ولاءً!
الهاجس الرابع
وأوجسُ خيفةً على الشباب حين يرى أحدهم (الوظيفة الحكومية) وكأنها (مصباح علاء الدين) السحري الذي يفرش له أرض المستقبل سندساً واستبرقاً، وأوجس عليهم خيفة من استمرار بعض الجامعات في التعامل مع مناهجها وكأنها غاية لا وسيلة لردم الهوة بين تأهيل الشباب واستحقاقات الوطن، وأتمنى أن نتذكر أبداً أن (تكوين المواطن) لا صناعة (النفط) ومخرجاته لها الأولوية في بناء هذا الوطن، ومن هنا ينبع الخوف على المواطن ويبرز الرجاء بعد الله منه وله!
الهاجس الخامس
أخشى على شباب اليوم من التسرع في (طلب العلا) استسهالاً للهدف، أو استصغارا للنتائج، مثلما أخشى عليهم من سرعة الاستسلام للفشل بعد أول (كبوة) في التحصيل العلمي، ثم يُهرول أحدهم، وبالسرعة ذاتها، نحو الوظيفة مهما دنت قدراً وجهداً وأجراً، ينشد في ظلها (نجاة) تُنسيه مرارة الفشل الدراسي، وقد تتحول (الوظيفة) في مثل هذا الموقف إلى (أفيون) يُعطِّل الموهبة، ويطفئ شعلة الرغبة في قهر الفشل وإحراز النجاح!.