أصبح حديث الناس في الأماكن العامة والمجالس الخاصة يدور في هذه الأيام حول شدة الحر، وارتفاع درجة الحرارة والمصحوب بطقس سيئ وغبار، وأن أشهر الصيف في هذه السنة لم يأت مثلها منذ سنوات - هذا على حسب قول وتوقعات الأرصاد الجوية -. وأكثر ما تسمع الشكوى والتذمر من شدة هذا الحر هو ما يقال ويدور في مجالس الأعيان، وفي مجالس من أنعم الله عليهم بالمال والجاه. وفي هذه المجالس جل حديثهم ومشاوراتهم منصب عن أفضل المنتجعات والدول المناسبة والباردة للهروب إليها والابتعاد عن حرارة الحجاز ونجد وبقية أماكن جزيرة العرب وهذا القضاء ما بقي من أيام صيفية حارة قبل حلول شهر رمضان المبارك. وكان بعضهم في عتب شديد على وزارة التربية والتعليم لأنها أخرت الامتحانات إلى وقت الصيف، وهذا مما عطل عليهم برامجهم المسبقة.
من المعلوم أن جزيرة العرب منطقة صحراوية قليلة الأمطار وقليلة في الغطاء النباتي، ومعروفة بارتفاع درجة الحرارة، وبهبوب الرياح الغبارية الحارة وخصوصاً في أشهر الصيف، ولهذا فالناس فيها قد تعودوا على ذلك منذ مئات السنين. ولكن يبدو أن الناس في وقتنا الحاضر غير الناس في الأزمان الغابرة، فقد أصبحوا مرفهين وبشراتهم الطرية لا تتحمل لا حراً ولا هبوباً.
إن حديثنا هنا حديث ذو شجون. تقول لنا كتب التاريخ والتراث إنه قبل 1400 سنة خرج بعض الرجال من مكة المكرمة، والمدينة المنورة، وهضبة نجد وبقية مناطق جزيرة العرب، وهم إما على ظهر بعير أو فرس أو بغل، أو سير على الأقدام، ولم يفكروا بحر ولا برد، وإنما كانوا يفكرون بقضيتهم السامية والتي محتواها نشر رسالة الإسلام بين الأمم، وأنهم هم الرعيل الأول لبناء حضارة إسلامية خالدة.
وبالمثل ففي نهاية القرن التاسع عشر الميلادي وبداية القرن العشرين قام ابن سعود الملك عبدالعزيز - رحمه الله - ومن معه من الرجال وهم إما ركوب على ظهور الخيل والإبل، أو سيراً على الأقدام في حركة توحيدية لتوحيد أجزاء المملكة في وقتها الحاضر، وقد نجحوا في ذلك، وهم في فعلهم هذا كانوا يسيرون في الليل والنهار غير مهتمين بارتفاع درجة الحرارة ولا بهبوب رياح السموم.
هناك قول شعبي يردده العامة من الناس في نجد يقول: «ما هذه الطويرات في داركم»، ويقال إن المقصود من هذا القول، أن شخصاً نجدياً كان يربي الحمام في بيت أهله الطيني، فسافر لبلاد الغرب لسبب من الأسباب، فلما عاد إلى قريته وبيته الطيني بعد عدة سنوات لم يتعرف على طير الحمام، واستغرب وجودها في بيت أهله، فقال قولته هذه.
وخلاصة القول: إن شدة حرارة أشهر الصيف هي منذ قديم الزمان - قد تزيد عدة درجات أو تنقص -، ولكن السؤال هو: هل الناس - أو على الأقل بعضهم - هم مثل ناس الرعيل الأول، أو مثل ناس من وحدوا المملكة، أم هم غير ذلك، همهم الأكل والشرب والراحة وجمع المال والبحث عن الجاه وحب الظهور والتعالي؟.