نتوجه للمستشفى غالبا عندما نشعر بألم، بل حين يزداد الألم ونحن ننتظر أن يغادر أجسادنا باستخدام المسكنات أو شرب الأعشاب وقراءة الأوراد والتعوذ من الشيطان! وإن ذهب عنا الوجع نحمد الله على العافية ونتابع سير حياتنا بعيداً عن الوسواس الخناس!
فهل فكر أحدنا وقرر في صباح ذات يوم القيام بزيارة الطبيب وهو بكامل لياقته، فيطلب منه فحصه وإجراء التحاليل الشاملة والأشعة بهدف الاطمئنان فحسب؟ فربما لا يحتاج بعدها للدخول في دوامة العلاج والأدوية أو البحث عن سرير شاغر في مستشفى مكتظ بالمرضى!
وقد يكتشف المرء من خلال التحاليل أموراً قد تخفى عليه، فهناك أمراض عديدة وخطيرة تصيب الشخص دون سابق إنذار كارتفاع أو انخفاض ضغط الدم، ونقص كريات الدم الحمراء، أو زيادة ونقص السكري، أو ارتفاع معدل الدهون (الكولسترول الضار) وتصلب الشرايين أو أمراض في الرئة أو التهابات في القولون أو فيروسات الكبد مما يستوجب عمل الفحوص الدورية، لاسيما ممن لديهم تاريخ عائلي موسوم بأمراض وراثية من جانب الوالدين أو أحدهما. والاكتشاف المبكر للأمراض يساهم بوقف توغلها في الجسد بعد مشيئة الله، وبفضل هذا التطور التكنولوجي الكبير الذي طرأ على الأجهزة الطبية والإجراءات التشخيصية كالتحاليل المخبرية المتطورة سريعة النتائج وأجهزة الأشعة الحديثة شديدة الدقة.
والخضوع لفحص طبي شامل يقي بحول الله من الأمراض الشائعة وحتى المستعصية. وغالبا يطلب الأطباء من المريض عمل فحوصات تشمل تخطيط القلب، وأشعة على الصدر وقياس التنفس وجهد الرئتين، وفحوصات مخبرية تشمل فحص وظائف الكلى والكبد، والكشف عن التهابات الكبد الوبائية الفيروسية بنوعيها b وc، والدهنيات الثلاثية، والكولسترول، وتعداد كريات الدم وصبغته، ومقدار سرعة ترسبه، واختبار مستوى السكر، والفحص المجهري للبول، وفحص النظر ومستوى ضغط العين، وقياس السمع، إضافة إلى الفحوصات الخاصة ببعض الحالات المرضية أو الوراثية.
وإضافة لذلك ينصح الأطباء من بلغ الأربعين القيام بعمل أشعة صوتية للحوض والمعدة، وقياس كثافة العظام، وفحص هرمون الغدة الدرقية، ومستوى الكالسيوم، وفحص حمض اليوريك، وللسيدات ضرورة عمل أشعة للثدي. ولمن يعاني من ضغوط حياتية (ومن منا يا صاح لا يعاني؟!) يحسن به اللجوء إلى تخطيط كهربائي للقلب بالمجهود وعمل صورة صوتية له، ومنظار للقولون بالأشعة المقطعية، وفحص مستوى الهوموسيستين، وفحص بروتين c r p عالي الحساسية.
وبعدها يستوجب على المريض زيارة مجموعة من الأطباء والاستشاريين في الأمراض المختلفة كأطباء الباطنية والجلدية وطب العيون وطب الأسنان وحتى الأمراض العصبية لعرض نتائج التحاليل والأشعة.
وفي مجتمعاتنا العربية النامية نحتاج إلى شيوع الثقافة الصحية بمفهومها التوعوي، فهي ترجمة لسلوك الإنسان المتحضر الذي نتطلع إلى أن يكون منهجاً له قبل وقوع المرض لكي ينعم بصحة وافرة وعافية جمة. فكم من مرض اُكتشف بالصدفة وتمت السيطرة عليه والشفاء منه تماما بفضل الله، ثم الوعي والثقافة والفحص المبكر.
وإن كانت بعض الأمراض تترافق عادة مع التطور التكنولوجي وضغوط الحياة ومتطلبات العصر الملحة؛ فإننا نرجو أن لا يصاحبها إهمال وتسويف بسبب الظروف المادية القاهرة، أو عزوف عن تناول الأكل الصحي، أو تكاسل عن ممارسة الرياضة.
وعلى وزارة الصحة ممثلة بالطب الوقائي السعي حثيثاً لتشجيع الناس على المبادرة للفحص الشامل وفتح سجل طبي لكل مواطن ووافد، يحتوي على الفحوصات والأمراض الوراثية إن وجدت، وما أجراه من عمليات جراحية وما تعرض له من أمراض مختلفة، وما أصابه من فيروسات، وما استخدم من أدوية حيث سيوفر ذلك الجهد والوقت والمال للدولة وللأفراد، فضلاً عن الشعور بالاطمئنان وشيوع ثقافة الوقاية.
والصحة وإن كانت كلمة قصيرة، إلا أنها تعني الحياة، ولا شك أنها تاج يلمع على رؤوس الأصحاء لا يراه إلا المرضى.
www.rogaia.net
rogaia143@hotmail.com